سيناء شرارة الانكسار المصري

ظن الكثير أن مصر خرجت من بين خيوط العنكبوت التي نسجها غار “الإخوان” تحت مناخ ما يسمى بالربيع العربي بعد أن تمكن الجيش المصري من استعادة هيمنته على اللحظة السياسية المصرية واستعاد السلطة التي كادت أن تذهب إلى الإخوان ويذهب بها الإخوان إلى مربعات خطرة ذات صفات هلامية ومفاهيم ملتبسة ويبدو أن مصر لم تحسن فهم الزمن الحضاري الجديد فكانت القوة العسكرية معيارية في المعادلة الثورية المصرية وبتلك المعيارية وقعت في الخطأ.
وبطبيعة حركة الحياة والحركات الثورية التي تحدث زلزالا في البناءات المختلفة أن تأتي بقوة التدفق الثوري ولذلك حين لا تكون السلطة تعبيرا عن ذلك التدفق وعن حركة التجدد والتبدل والانتقال فهي تصطدم بالحركة الثورية وبمشاعر التغيير ويكون فقدان الاستقرار من الأمور البديهية التي تحدث في المجتمعات التي تعيش مشاعر الثورة والتغيير وتجد في السلطة امتدادا للماضي الذي ثارت عليه وتجدها معيقا لحالة التدفق والانتقال كما هو في مصر التي تعيش حالة صدام دائم منذ وصول السيسي إلى الرئاسة حتى اللحظة التي شهدت سيناء حركة الجماعات الجهادية والتي توجتها بالأحداث الأعنف في بداية يوليو 2015م ولعل التوقيت يحمل مؤشرا بالتحول في الاستراتيجية وببدء مرحلة جديدة في عملية إعادة صياغة الخارطة العربية وبأياد عربية وأموال خليجية.
مشكلة مصر الكبرى في لحظتها الجديدة أنها استسلمت لهيمنة سلطة عسكرية تحاول أن تكون صورة مماثلة لثورة “يوليو 53م” ولم تراع الفروق الزمنية والثقافية والحضارية ولم تدرك المتغير التقني والاجتماعي لذلك لم تأت بجديد حين تحدثت عن المشروع الجديد لقناة السويس فهو هاجس يوليو 53م وليس هاجس ثوار 25 يناير 2011م وثمة فرق لم تلحظه سلطة السيسي ونظامه وهو أن عبدالناصر كان يملك مشروعا ثقافيا وسياسيا وكان واضح المعالم والأهداف والمقاصد ومن التباشير الأولى للنظام يبدو أنه لا يملك رؤية واضحة وليس له قضية وطنية أو قومية ولكنه يخوض معركة وجود ويبحث عن أموال لمعالجة إشكالات آنية غير ذات قيمة في إحداث متغير أو انتقال أو تبدل في حياة المجتمع المصري الثائر الذي خرج في الميادين والساحات ليستعيد دوره وقيمته ومعناه وتستعيد مصر مركزيتها الثقافية والسياسية بعد أن حاولت تركيا أن تسلبها هذا الدور في معادلة التبدل التي فرضتها حرب تموز 2006م.
لم يدرك السيسي ونظامه أن تأييده ومساندته للعدوان السعودي على اليمن كان لحظة انكسار ونكوص في مساره السياسي وستكون الأموال التي تلقاها من نظام آل سعود هي فاتحة التبدل والانكشاف وهي اللحظة القاهرة التي ستضع النظام في مخنق اللامشروع من خلال حالة التناقض التي تكشفت للرأي العام العربي والعالمي ومثل تلك الحالة ستكون هي المدخل إلى إحداث الزلزال المدمر للنظام الطبيعي والقانون العام في الوجدان وبالتالي القيام بتفكيك الهوية الوطنية الصامدة أمام غطرسة أرباب المشروع الجديد للشرق الأوسط الذي تديره قوى الاستكبار العالمي والصهيونية العالمية تمهيدا لقيام دولة إسرائيل الكبرى وتحقيقا لمركزيتها في الشرق الأوسط.
لقد كانت مصر مشروعا مؤجلا إذ صرحت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية السابقة أن المشكلة مع مصر تكمن في الهوية التي لا تقبل التجزئة والتفكيك ويبدو أن المجتمع العالمي قد أدرك السبل التي يسلكها للوصول إلى غاياته وبدأت مصر مرحلة جديدة مع الأحداث ستكون سيناء هي قاعدة انطلاقها ولن تستقر مصر بعد اليوم بعد أن تمكن شياطين مشروع الشرق الأوسط من عزلها عن محيطها العربي والقومي فموقفها من سوريا ومن اليمن ومساندتها للدول التي تمول الإرهاب وتأييدها للعدوان على اليمن وإعلانها مشاركتها في التحالف الذي يقوم بعمليات الهدم والدمار والقتل في اليمن لم يكن عملا اعتباطيا بل كان عملا ممنهجا عملت الأجهزة الاستخباراتية العالمية على التخطيط له والوصول إليه وهي تقوم بتوظيفه الآن للقيام بمهام مرحلة جديدة من مهام الخطة الاستراتيجية لمشروع الشرق الأوسط الجديد ما لا يمكن نكرانه أن مصر تلقت 26 مليار دولار من السعودية في مقابل تأييدها للعدوان على اليمن وفي مقابل ذلك خسرت قيمتها ومركزيتها وهي ستخسر سيناء وتخسر أمنها واستقرارها.
ما حدث في سيناء لم يكن إلا شرارة أولى لحالة الانكسار والتشظي ما كنا نأمل أن تصل إليه مصر لولا غباء السيسي.

قد يعجبك ايضا