الخسران المبين للعدوان

من البديهي القول أن العدوان وأدواته في الداخل خسروا كل رهاناتهم وتجاوزت اليمن أسباب الهزيمة النفسية والأخلاقية لترسم لنفسها خطا جديدا لتجاوز حالة الارتهان والوصاية إلى مستقبل أكثر أمنا وأكثر جلاء وخلوا من أدوات العدوان في الداخل ومن عملائه فالقضية اليمنية – السعودية لم تعد كما كانت عليه قبل العدوان والذين تهافتوا إلى الرياض وعملوا في الداخل تكشفت أوراقهم وأصبحوا هملا منبوذا ثقافيا واجتماعيا وأخلاقيا وهم قد حكموا على مستقبلهم السياسي بالدمار وبالفناء كما أن التفاعل اللوجستي والاستخباري والعسكري الذي بدأ عليه “الإخوان” أصبح حديث العامة قبل الخاصة وكأني “بجبلة بن الأيهم” يصرخ في ضمائرهم ندما فهم يقتلون الناس ولا يرون جرما ويرون في الطرف الآخر قاتلا مجرما ومثل ذلك الالتباس في المفهوم وفي الظلال وفي المعنى أوقعهم في شرك الهزيمة النفسية والأخلاقية وبالتالي سيكون له أثره الواضح والكبير على متواليات الهزائم السياسية فالتضاد في الموقف الذي يكونون عليه لن يبرر لهم موقفا يكون في موضع الحق فالذين يتظاهرون منددين “بالراجع” لا يتظاهرون وينددون بالعدوان الذي أهلك الحرث والنسل وقتل ودمر وكادوا أن يروا فيه بردا وسلاما وفي ذلك تكمن المفارقات القاتلة للتفاعل السياسي المستقبلي والذين يدعون الحياة والسلام قالت الوثائق التي عثر عليها الجهاز الأمني اليمني أنهم يتوغلون في التخطيط للموت وفي الإعداد له وتبدو حالة التمايز بين الظاهر والباطن التي عليها “الإخوان” كثنائية معيقة للتمكين لهم في الأرض منذ العقود الماضية والصور التي عليها الواقع اليمني تقول إن “الإخوان” يخوضون معارك طاحنة مع الجيش واللجان الشعبية في تعز وفي مارب وفي الجوف وفي شبوة وفي عدن وفي الضالع وفي أبين ولحج وظاهرة تلك المعارك باسم المقاومة الشعبية والشرعية وباطنها معركة إخوانية وجودية بامتياز. ولا أرى القاعدة وداعش إلا شماعات يعلق عليها الإخوان أخطاءهم الأخلاقية والعقائدية والسياسية هروبا من الحقائق الموضوعية والثابتة التي تشكف عن نفسها في تضاريس المكان وتحت سماء الزمان وقد يظن الإصلاح أن تعاونه مع العدوان السعودي تكتيكا مزدوجا هدفه توريط السعودية في جرائم حرب بشعة في اليمن ومثل ذلك قد حدث فعلا والقضاء على خصمه اللدود المتمثل في حركة أنصار الله التي خسر أمامها كل معاركه دون استثناء وغاب عن الإصلاح والأخوان قانون التاريخ وحركته ومثل ذلك الغياب ضاعف وكثف من الهزائم العسكرية والنفسية والثقافية والسياسية ولن يصحو الإصلاح والإخوان من هول الفاجعة إلا بعد عقود من الزمن فالعقلية الثابتة لا يمكنها الوعي بالحركة وأثر الفعل ويظل النص مع ثبوت المعنى والتأويل عن ظلال زمن تاريخي هو المسيطر على اللحظة الزمنية المعاشة والموجه لها ولذلك يسهل على المتابع قراءة الطالع لمثل أولئك.
يدرك الأخوان كل الإدراك الفوارق الجوهرية بين الحركة السلفية والحركة الإخوانية وهم لا يغفلون عن الموقف السياسي للمملكة العربية السعودية الذي يضعهم في خانة الجماعات الإرهابية والخطرة على الإسلام والمسلمين والمملكة لم تعلن رفع الحظر على الجماعة ولكنها تستخدمها في اليمن كورقة سياسية مؤقتة ولا أظنها ترغب في التمكين لهم في اليمن ترى فيهم جسرا للعبور وفي المقابل تعمل الإصلاح والإخوان مع سياسة المملكة كان حذرا وجند كل إمكاناته وطاقاته بما يحقق هدفا مزدوجا له وهو تشويه صورة المملكة في حالة الاستغراب والإمعان في جرائم الحرب في اليمن وبيان أن القتل والذبح وتدمير العمران وفساد العقائد ثقافة سلفية بحتة وليس “للإخوان” علاقة بهم وهم ضدها بعمران خطابهم بثقافة المحبة والسلام والهدف الثاني عزل المملكة عن محيطها ومحاصرة أثرها الثقافي والسياسي في اليمن وفي الحالين خسران مضاعف للعدوان السعودي الذي قاده طيشه ونزقه إلى تدمير اليمن وأحدث فصلا جيوسياسيا واضحا في جدار العلاقات الإقليمية المستقبلية.
لا تترك الحرب إلا جرحا نفسيا غائرا لا يندمل ولن يكون للعدوان السعودي على اليمن إلا أثرا مدمرا مزدوجا على اليمن وعلى السعودية نفسها ذلك أن العدوان قد يحدث تصدعا في القانون الطبيعي وبالتالي تستيقظ الهويات المحلية في المملكة وقد تجد تلك الهويات ملاذها وحصنها في اليمن وقد تجد اليمن نفسها أمام حالة ثأرية وانتقامية متعددة الأوجه والسبل إذا كان قرار العدوان قرارا أسريا فرديا يخص أسرة آل سعود بمعزل عن شعب نجد والحجاز وعسير فإن نتائجه ستكون هي الخسران المبين لأسرة آل سعود التي ستفقد مقاليد هيمنتها وسلطتها على الجزيرة العربية ويتواصل النقصان إلى حالة التلاشي وغياب الأسرة من المشهد السياسي في كليته.

قد يعجبك ايضا