العدوان السعودي ونتائجه العكسية
تقول بعض المصادر الإعلامية أن العدوان على اليمن كان متوقعا له النهاية في زمن قياسي لا يتجاوز الأيام العشرة الأولى كحد أقصى ولا أدري على ماذا بنى واضعو الخطة ذلك القياس الزمني في النهاية وما هي المعطيات الموضوعية في الواقع التي أوقعتهم في وهم النهاية في ذلك الزمن القياسي الذي تجاوز التاريخ وقانونه وتجاوز التكوين النفسي والثقافي والحضاري اليمني وتجاوز التفاعل السياسي من حيث الأثر والتأثير والوجود والفاعلية الحقيقية.
لقد تجاوز العدوان الأيام العشرة وهو الآن يدخل في مستهل الشهر الثالث وكل المعطيات التي يتحدث عنها الواقع تقول بنتائج العدوان العكسية وبالحسابات الخاطئة ,ذلك أن اليمن ليس دولة طارئة أو عابرة بل يمتد عميقا في التاريخ ولذلك تظل مسألة الهيمنة عليه عصية على الراغبين والطامعين في مقدراته بدليل دخول العدوان في شهره الثالث دون أن يتمكن من تحقيق الأهداف التي أعلنها بالرغم من كل الإمكانات المادية والمعنوية والسياسية وبالرغم من تضافر الإمكانات لاثنتي عشرةدولة في مقابل اليمن وهو الدولة الفقيرة في القدرات الاقتصادية ولكنها الغنية بالإنسان المنتمي إليها المعتز بقيمته الوجودية ومعناه الحضاري ,وتلك المواجهة تتم وهي بدون رئيس وبدون حكومة وبدون مؤسسات وطنية وهنا تكمن المعجزة للإرادة اليمنية الصلبة التي تواجه تحالفا مكونا من اثنتي عشرة دولة وبمباركة دولية وعالمية وبصمت كل المؤسسات والمنظمات الحقوقية تجاه الجرائم التي يرتكبها العدوان وهي تتجاوز مصطلحات جرائم الحرب والإبادة الإنسانية ورغم الألم والجراح والحصار الذي يفرضه العدوان نجد الإنسان اليمني لا يزال قادرا على اقتحام المواقع العسكرية السعودية’ وقادرا على تحقيق الانتصارات النوعية في العمق السعودي وقادرا على الرد والكر والفر وأسر الجنود وإسقاط الطائرات الحديثة وقادرا على الحياة والوجود وهو يعلن في ذات السياق عن سلاح مبتكر وكأنه يقول إن دمرت طائراتكم ترسانتنا العسكرية والمخازن والأسلحة ولكنها لم تدمر قدرتنا على الابتكار والمقارعة والسيطرة على مفردات اللعبة الحربية لأننا شعب خرج من رحم الحروب وكل العالم يتحدث عن بأسه وصموده وقدرته على تغيير المعادلات وليس مثل ذلك ضرب من الرجم بالغيب ولكنه يستند على حقائق تاريخية ثابتة تملأ صفحاته حين سرده للأحداث في الحقب المختلفة.
لقد عاش اليمن حالات التفكيك في البنى المختلفة وشهد خلال الفترة “2011 – 2014م” انهيار القانون العام والطبيعي وهو الأمر الذي يدل على بداية مرحلة التضاد والارتداد بمعنى أن ثورة “21 سبتمبر 2014م” كانت هي نقطة البداية في الدورة العكسية ’أي دورة إعادة البناء وترتيب نسق القانون الطبيعي والعام في الوجدان العام وقد كان العدوان عاملا مهما في ترتيب ذلك النسق الطبيعي لأنه عمل على تصميد ما تصدع وساهم في إعادة البناء كما أنه كان عاملا مهما في توحيد المشاعر المنفعلة وقد أيقظ سؤالا معرفيا جديدا لم يكن غيابه إلا دلالة على حالة التية وفي السياق ذاته هو يعيد تعريف الهوية الوطنية اليمنية في صورتها الجزئية والكلية ومثل ذلك ما كان له أن يحدث بالسرعة التي نحن عليها في الانزياح والتحول والتبدل لو لم يحدث ويشتد أواره ويتوحش ويكشف عن غوائله وبواطنه.
ومثل تلك النتائج لم تكن تدر في خلد قادة العدوان ولو دارت في خلدهم لما قاموا بالعدوان أو أقدموا عليه لأنها بالتأكيد عوامل مهمة في يقظة النسق التاريخي والحضاري وعوامل أساسية من عوامل الهيمنة والسيطرة على التجمعات الإنسانية في أي زمان أو مكان وفي مقابل ذلك هناك أثر للعدوان على المجتمع السعودي فالهالة التي كان عليها ستصاب بالتصدع من خلال الانهيار المؤكد والحتمي للقانون العام والطبيعي وتداعياته المختلفة على البناءات الاجتماعية والثقافية والسياسية ومن خلال الألحاح للسؤال الحداثي والسؤال التاريخي وسؤال القيمة والمعنى وفق ضروراته التي نجدها في المجتمع السعودي كما تحدده نظرية هرم الحاجات فإذا كان المجتمع السعودي يجد حاجته الفسيولوجية والأساسية والاجتماعية والأمنية إلا أنه يعاني من نقص حاد في الحاجة إلى الاحترام وتحقيق الذات والتقدم والتفاعل الحضاري والثقافي مع العالم من حوله وسؤال مثل تلك الضرورات كان حاضرا في الخطاب الإعلامي والثقافي بصورة دالة على إلحاحه وعلى خوف السلطة وسيجد حظه من التمكين بعد العدوان على اليمن فالنظام تداعت هالته وفقد أهم مقومات بقائه ولم يكن سقوط المواقع والمعاقل والتحصينات إلا تعبيرا عن هشاشته وضعفه وتبديدا لعوامل الخوف عند الناس لذلك كانت مظاهرة القطيف هي التعبير الأمثل عن ذلك الأثر للعدوان على اليمن وسيمتد في قادم الأيام ليكون ترجمة وتفسيرا لسؤال الوجود الإنساني والحداثي وسؤال القيمة وقد يكون ظهور السؤال التاريخي في نجد والحجاز وعسير في مقابل السؤال الثقافي الوجودي كما نلمح ذلك من خلال الرموز والإشارات التي نجدها