ماذا بعد فشل مؤتمر الرياض¿
من يدفع أجر العازف هو الذي يحدد اللحن هذا المثل الإنجليزي الشهير يحمل في مضامينه موجها قرائيا لدوافع مؤتمر الرياض ومخرجاته وتوصياته التي جاءت في مجملها استجابة لحاجة المملكة العربية السعودية وتحقيقا لأهدافها فالمملكة لم يقتصر دورها على دفع أجر العازف فحسب ولكنها الراعي الممول لفرقة (حسب الله) بكل ألوانها وللجمهور المصفق وللفتوات والبلاطجة وللقنوات والمحللين وللمهرجين والمقاتلين وللكثيرين من مرتزقة العالم فهي الوكيل الحصري والوحيد للإنتاج الفني لهذا المؤتمر وما قبل هذا المؤتمر من طقطق إلى السلام عليكم.
لقد كتب مؤتمر الرياض على نفسه الفشل قبل انعقاده لافتقاره إلى أبسط مقومات الحوار الناجح فالمؤتمر الذي انعقد بغياب أهم أطراف الصراع السياسي (أنصار الله والمؤتمر الشعبي وبعض الأحزاب) ليس مؤتمرا للحوار بين الفرقاء ولكنه مؤتمر اللون الواحد والمؤتمر الذي تدعو إليه دولة العدوان لينعقد في عاصمتها ليس مؤتمرا لحل مشكلة اليمن وتطبيع الحياة بين ابنائه ولكنه مؤتمر لتثبيت الوصاية وإعلان الاستسلام والهزيمة والإقرار بالطاعة وتنفيذ الإملاءات…إنه بكل بساطة مؤتمر للخيانة الوطنية…واللقمة المغموسة بدماء الأطفال والنساء وسائر الأبرياء من المدنيين الذين تركتهم صواريخ طائرات العدوان السعودي أكواما من الأشلاء المتناثرة والجثث المتفحمة …تركتهم بعد أن أسدلت عليهم سحبا من الدخان تواري به سوءاتها منذ أواخر شهر مارس الماضي.
لقد أرادت المملكة من خلال هذا المؤتمر أن تظهر نفسها للعالم على أنها داعية سلام وراعية حوار بين اليمنيين المتصارعين لا سيما بعد تصاعد أصوات المنظمات الإنسانية التي تسعى إلى تقديم جرائمها الموثقة بحق المدنيين اليمنيين للعالم على أنها مجرمة حرب وقائدة دول عدوان اقترفت في غاراتها أبشع الجرائم بحق اليمنيين أرضا وإنسانا وتجاوزت أخلاقيات الحرب وقوانينها المتعارف عليها عالميا.
تحاول المملكة أيضا من خلال هذا المؤتمر قطع الطريق على أية محاولة لانعقاد مؤتمر حوار يمني ـ يمني جاد برعاية أممية تتمثل فيه كافة أطراف الصراع السياسي وينعقد في دولة محايدة وفي أجواء تساعد على لملمة جراحات اليمنيين وتقريب وجهات النظر فيما بينهم ومساعدة المكونات السياسية المختلفة على احتواء خلافاتها وتجاوز معوقات الحاضر إلى رسم خيوط المستقبل فالمملكة لا تريد لليمن أن تخرج من وصايتها وأن تستقل بإرادتها ولذلك فقد حشدت لهذا المؤتمر بعض السياسيين اليمنيين الذين كانوا ولا يزالون أدواتها في الداخل اليمني قبل أن تعصف بهم ثورة21سبتمبر2014م وأضافت إليهم بعض الانتهازيين الجدد من صفوف اليساريين (الاشتراكي والناصري) على وجه الخصوص وعقدت بهم مؤتمرا أطلقت عليه (مؤتمر إنقاذ اليمن) ولعل أصدق توصيف لهذا المؤتمر هو ما جاء على لسان رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر عبد العزيز جباري الذي قال : إن هذا المؤتمر للقرارات وليس للحوارات وتابعه في هذا التصريح نائبه بالنص .
نعم هو مؤتمر قرارات صيغت سلفا من قبل الراعي السعودي لتحقيق أهدافه الخاصة المتمثلة في الحفاظ على وصايتها على اليمن والتدخل في قراراته السيادية من خلال الدفع بأدواتها العميلة إلى صدارة موقع القرار وهيمنتها على المشهد السياسي اليمني.
لقد سعت المملكة خلال الأيام السابقة جهارا نهارا إلى دعم كل ما من شأنه عدم استقرار اليمن وخروجها من محنتها الراهنة من خلال فتح جبهات الاقتتال الداخلي بين اليمنيين وتأجيج المعارك البينية وتزويد الأطراف الموالية لها (بالكاش والكلاش) على طريقة (بينهم يا قوم) وما على أعضاء المؤتمر سوى إصباغ النكهة اليمنية على مشروعية هذه الأهداف وتقديمها للعالم على أنها مطالب يمنية ينشدها اليمنيون الذين لم يجرؤوا على التطرق ولو بحياء ومواربة إلى التنديد بالمجازر التي ألحقها العدوان السعودي بالمدنيين الذين لا علاقة لهم بالأطراف المتصارعة كما حصل في زبيد مثلا …..
ربما أدركت الأمم المتحدة وبعض دول العالم شيئا من مخاطر استمرار المملكة في اللعب باستقرار اليمن والحيلولة بينه وبين المستقبل المستقر الآمن فأعلنت على لسان أمينها العام بان كيمون دعوة اليمنيين إلى حوار جنيف أواخر الشهر الجاري ….لكنها فاجأت العالم بتأجيله إلى أجل غير مسمى استجابة لضغوط المملكة ومن يقف وراءها .
بعد فشل مؤتمر الرياض وتأجيل مؤتمر جنيف تكون القوى اليمنية النخبوية بمختلف أطيافها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الخارجة عن أطراف الصراع السياسي وعن قوى مؤتمر الرياض أمام تحد يفرض عليها القيام بمسؤوليتها في الإعلان عن تشكيل هيئة وطنية تقف على مسافة واحدة من كافة أطراف الصراع السياسي وتحظى بقبول الأطراف واحترامها تسعى أولا إلى العمل على إيقاف الصراع الداخلي والاقتتال بين اليمنيين وقيادة حوار شفاف يهدف في محصلته الإجمالية إلى الخروج بمق