حسابات السعودية في اليمن
ما زالت «عاصفة الحزم» تستأثر بالانتباه الإعلامي بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بدايتها وتستقطب حولها تحالفات إقليمية تنعقد وتتعقد وتنفرط ما يوسع دائرة تداعياتها على منطقة جغرافية تفيض بعيدا عن حدود اليمن السياسية. ومع سيادة «الإعلام الحربي» ودوره الكبير في تشكيل الرأي العام سواء مع الحملة السعودية أو ضدها تبدو حسابات السعودية – بعيدا عن التهوين أو التهويل الإعلاميين – مرتهنة بأهداف ومخاطر سياسية في آن معا.
السياق الأميركي لـ «عاصفة الحزم»
من المفيد التعرف على الأبعاد الدولية لعملية «عاصفة الحزم» حتى يمكن تحليلها في الإطار الصحيح إذ أن سير العمليات العسكرية على الأرض ما هو إلا الوسيلة لتحقيق أهداف سياسية وليس أكثر من ذلك. قبل بدء الحملة السعودية على اليمن كانت أجراس الإنذار تقرع بشكل متواصل في الرياض لأن الثوابت في تحالفات السعودية الدولية قد اهتزت بوضوح مع انسحاب القوات الأميركية من العراق العام 2011م. ويعود الاهتزاز هنا إلى أن احتلال العراق كسر التوازن الإقليمي المحيط بإيران ـ خصيمة السعودية اللدود ـ لكن استمرار القوات الأميركية في البقاء على الأراضي العراقية كبح في حدود النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين. ومع الانسحاب الأميركي ظهرت الصورة الجديدة للعراق الجديد ونفوذ إيران الواضح فيه بالتوازي مع إحجام إدارة أوباما عن التدخل عسكريا في الأزمة السورية لمصلحة المعارضة. ثم جاءت المفاوضات النووية بين إيران والغرب لتزيد المخاوف السعودية من نوايا إدارة أوباما خاصة مع اقتراب المفاوضات من مرحلتها الختامية (جرت الحملة السعودية قبل أيام من توقيع «اتفاق الإطار» بين إيران والغرب). سيعني إبرام الاتفاق النووي تحولا جوهريا في البيئة الاستراتيجية المحيطة بالسعودية لأن الولايات المتحدة الأميركية التي استمرت في لعب دور الضامن للأمن القومي السعودي منذ العام 1945م حتى الآن ستتحول إلى مجرد «وسيط» بين السعودية وإيران في ملفات المنطقة المشتعلة. وكان لافتا أن إدارة أوباما ساندت ودعمت الحملة السعودية على اليمن لتهدئة مخاوف السعودية من ناحية وللضغط على إيران في المفاوضات النووية من ناحية ثانية ولخلق مكافئ إقليمي لإيران من ناحية ثالثة لأن التصور الأساسي للشرق الأوسط الجديد في إدارة أوباما يقضي بتنويع التحالفات الإقليمية بحيث تحجم الأطراف الإقليمية بعضها بعضا دون أن يقضي أحدها على الأخر.
السياق الإقليمي لـ «عاصفة الحزم»
تتنوع مروحة الأهداف السعودية من «عاصفة الحزم» ولا تقتصر على إضعاف خصومها في اليمن وإنما تركز بالأساس على إبراز دور السعودية في المنطقة كقوة إقليمية باستخدام الحرب المحدودة على الحوثيين لتحقيق ذلك الهدف. في هذا السياق بدا للرياض أن دعمها الاقتصادي لمصر سيوفر لها وسيلة جيدة للتأثير في قرارها السياسي بالمشاركة في الحملة وليس المشاركة في قيادتها ما يثبت قيادة السعودية المنفردة للدول العربية عبر العمليات العسكرية وفي الحلول السياسية بعدها. كما أن الانقسام السياسي التركي الداخلي بين أردوغان ومعارضيه حفز الرياض على الاعتقاد بإمكانية الظهور كند سني لتركيا في الإقليم خصوصا مع امتلاك السعودية لورقة الإيداعات المالية قصيرة الأجل في المصارف التركية وما يعنيه ذلك من إمكانية تردي الليرة التركية أمام العملات الأجنبية في حال سحبها. وحتى تتلاعب السعودية بالحسابات التركية بدرجة أكبر فقد فتحت بابا للتفاهم معها حول الأدوار المرتقبة لجماعة «الإخوان المسلمين» في اليمن ـ جبهة الإصلاح ـ بعد انتهاء المعارك العسكرية ما ينعش الآمال التركية في استعادة الوهج الإقليمي الذي فقدته مع خسارة «الإخوان المسلمين» للسلطة في مصر وتونس. ولتنويع الغطاء التحالفي للسعودية في «عاصفة الحزم» فقد عمدت إلى محاولة إشراك باكستان في الحملة على خلفية العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسلام آباد والرياض بغرض الضغط على كل من القاهرة وأنقره وبحيث ترتدي السعودية العباءتين العربية والسنية في ذات الوقت. ودار في حسابات السعودية أيضا أن عامل البعد الجغرافي والضيق النسبي للموارد المالية الإيرانية سيمنعان طهران من دعم الحوثيين بشكل فعال. باختصار تتوسل السعودية الحرب على الحوثيين لإعلان زعامتها العربية والسنية تلك التي ستترسخ في حال أفلحت في جر الحوثيين إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف.
سيناريو الضربات الجوية
تفضل السعودية استخدام سلاح الجو لتحقيق انتصار عسكري نسبي ومن ثم جرجرة الحوثيين إلى طاولة مفاوضات وصولا إلى إعادة اقتسام السلطة في اليمن لمصلحة حلفاء السعودية. رصدت السعودية مئات المليارات من الدولارات لسلاحها الجوي الذي يبدو حتى الآن مسيطرا باكتساح على الأجواء اليمنية (ا