أحزاب سياسية فاشلة (روبابيكيا)!

لنقل الله يرعى ويرحم أيام زمان أيام الحكومات والحكام الديكتاتوريين الظلمة الذين عرفوا ومارسوا وفطنوا وتعلموا من الخليفة معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والحجاج بن يوسف الثقفي وهم جميعا من دهاة العرب الذين اشتهروا بصلابة وصرامة حكمهم فعلى الأقل كانت هناك في عهدهم عدالة وحكام ولايات وولاة ومسؤولون على أعلى مستوى من الحنكة والمسؤولية وكان الخلفاء الديكتاتوريون حريصين على تعيين الولاة من الشخصيات الجبارة والقوية والحازمة والصارمة حتى يضمنوا العدل والأمن والاستقرار في تلك الولايات وكانوا أيضا من الدهاة والمشهورين بقوة شكيمتهم وفراستهم وغزارة علومهم. ورغم هذا الحزم والصرامة في حكمهم إلا  أن الشعوب التي تولوا حكمها كانت أكثر أمنا وامانا واستقرارا وكانت العدالة تأخذ مجراها ويأخذ كل ذي حق حقه بالعدل والإنصاف والمساواة , وقد تولى أمر هذه الأمة حكام وملوك مشهود لهم بالعدل والقضاء والدهاء السياسي والذكاء على الرغم من تفردهم بالحكم والسلطة ومروق بعضهم إلى استخدام العنف والجبروت والبطش ضد شعوبهم إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت مستقرة وكان الأمن والأمان مستتبا في كل أنحاء البلاد وكان هؤلاء الملوك والرؤساء فقط يضيقون ذرعا بالرأي والرأي الآخر فيضيقون على شعوبهم وعلى معارضيهم الحريات والحقوق السياسية.
وقد انعدمت في عهودهم الفوضى والعبث بالمال العام والفساد كان محدودا جدا وكانت الأحكام الشرعية تنفذ بحذافيرها بصورة طبيعية ومرضية.
ولكن بعض الشعوب ضجت وتمردت على هؤلاء الحكام وقامت ثورات واحتجاجات وسقطت بعض تلك الممالك  ومنها المملكة المتوكلية اليمنية , وطالبت الجماهير والحركات المعارضة بإقامة نظام جمهوري يشارك فيه الشعب في الحكم أي أن يكون نظاما جماهيريا لا حكما ديكتاتوريا منفردا. وقد أتيحت الفرصة أن تصل كل تلك الحركات والأحزاب إلى الحكم والسلطة وبدأت تسوق نفسها وتعرف بمبادئها وأهدافها حتى تمكنت من إحكام سيطرتها على البلاد ولكنها بدأت تتعامل مع الشعب وكأنه لا يفقه شيئا في الحياة السياسية أو الاقتصادية ومن ثم بدأت تتصارع فيما بينها على مصالحها ومكانتها وجعلتها أولوية مطلقة على مصالح الشعب العليا.
ومن هنا استشرى فيها الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبدأ كل حزب يبحث له عن مصادر تمويل خارجي من خلال الانتماء والاستقواء باحزاب عربية خارج اليمن وترتبط بها ارتباطا عقائديا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا ومن ثم تخطط للبلد ان يكون تابعا لتلك الدول ومحاولة الاحتساء من كؤوسها وترضع من خيراتها.
وحينما بدأت الأحزاب تمارس حرية الرأي والرأي الآخر وتمارس التعددية الحزبية والسياسية, تم اختراق هذه الأحزاب من الخارج بالإضافة إلى اختراق نظام الدولة ومؤسساتها وأصبحت تلك الأحزاب مرتهنة في أيدي الخارج وقد بدأت الحزبية في بلادنا بالتأثر وانتهت بالعمالة كما وصفها القاضي عبدالرحمن الارياني رحمة الله عليه.
ولقد انفردت الاحزاب السياسية في بلادنا بالحكم بعد الانظمة الدكتاتورية البائدة قلبت هذه الاحزاب كل الموازين والأعراف كما قلبت كيان الدولة رأسا على عقب.
كما تحولت الأحزاب السياسية في بلادنا إلى أحزاب دكتاتورية محنطة ومقدسة لا يمكن المساس بها وهي أكثر تشددا وأكثر عنفا من الحكام الديكتاتوريين السابقين وقد انتشر في عهدها الفساد والعبث بالمال العام وسادت الفوضى في كل مرافق الدولة نتج عنها الانفلات الأمني وعدم الاستقرار وتدهور الأوضاع في شتى مناحي الحياة وتعطلت مصالح الناس ومعيشتهم وشلت حركة الأجهزة الحكومية الفاعلة وتحولت الى احزاب معزولة ومعرقلة وعائقة لأي تقدم أو تطور أو بناء الدولة اليمنية الحديثة الآمنة والمستقرة وباتت أحزابنا تناضل من أجل نفسها ومن أجل بقائها واكتساب المزيد من المصالح بصرف النظر عن مصالح الشعب وبالتالي فهي عاجزة عن اتخاذ القرار الذي سيحدد مصير الأمة بسبب أنانيتهم وتخبطهم ومراهناتهم على الحلول التي ستأتي من خارج اليمن, وقد أصبحت الحزبية في بلادنا وسيلة للابتزاز والمساومة وتعطيل مصالح الشعب وقد تاهت بين دهاليز المؤامرات والعمالات والمكايدات والمزايدات والمغالطات. وخلاصة القول , فإن هذه الأحزاب قد تآكلت وشاخت وعفا عليها الزمن ودخلت في ذمة التاريخ ,وهي فعلا أحزاب “روبابيكيا” أي بقايا أثاث قديم وخردة ينبغي التخلص منه وبيعه في أسواق الحراج . وهذا التعبير مستعار من اللغة الإيطالية (أي روبابيكيا)  .

قد يعجبك ايضا