اليمن بين خياري الانكسار أو الانتصار
تشهد اليمن مقدمات دالة على نتائجها وتلك المقدمات التي تعتمل في الواقع وتحت سماء اليمن أبرز الفاعلين فيها هي القوى ذاتها والأسماء ذاتها التي كانت في الزمن القريب البعيد وكانت مادة الصراع وأدواته وآلته.. والحديث عن انتقال وثورة في ظل مناخات ذلك الواقع القديم الجديد وفي ظل المحمول الصراعي والثأري ضرب من العبث فالبناءات العلياء لا يمكن أن ينالها التحديث أو يحدث في نسيجها العام البهاء والتجدد والتغاير ما لم يبدأ ذلك البهاء والتجدد والتغاير من البناءات الدنيا أو التحتية وما لم تستجب مؤسسات المجتمع المدني لضرورات الواقع وشروط التحديث والانتقال فإن الحال في البناءات العليا أو الفوقية يظل هو الصورة النمطية التي نعهدها وإذا كانت الهزات العنيفة في البناءات العامة التي حدثت في عام 2011م لم تحدث القدر الكافي من التمايز ولكنها أعادت إنتاج صورة المجتمع القديم ومؤسسات المجتمع القديم ورموز المجتمع القديم فدلالة ذلك واضحة وجلية وهو ما ذهبنا إليه مرارا وأكدنا عليه في أكثر من مقال ومقام وهو الحاجة الماسة والضرورية إلى نهضة ثقافية أو ثورة ثقافية تعيد صياغة التصورات وترتيب البناءات وتنتصر للذات اليمنية التاريخية والحضارية والثقافية وتعمل على تفجير طاقات الذات وتحدد المفهوم العام للمصطلحات وتبعا لذلك تحدث تغييرا في الرؤية وتحديثا للمنطلقات الفلسفية وتتجاوز الماضي لتكون أكثر تفاعلا مع معطيات الحاضر وأكثر قدرة على صناعة المستقبل ومثل تلك الثورة الثقافية هي الحامل الوحيد للدولة الحديثة التي نتحدث عنها في كل حين ولكننا نضل الطريق إليها لأننا كلما أنتجنا صراعا تحت شعارها عدنا عقودا إلى الوراء ولا نخطو إليها إلا القهقرى.
لقد دلت متواليات الصراع في الزمن الحديث أن العنف عملية تدميريه قاتلة وهي رؤية لا تمت إلى إرادة الحياة والنماء والتحديث والتغيير والانتقال بصلة وقد رأينا – نحن في اليمن – كيف عدنا إلى نقاط تاريخية بعينها وكيف عمل على تدمير البناءات الوطنية القائمة لأن رؤيته قائمة على فلسفة الهدم والعداء للحاضر والاحتماء بالتاريخ وبالنقاط المضيئة فيه وعلى الفوضى والعجز والتبرير التعويضي ومثل تلك الرؤى التي لا تتصالح مع المستقبل تعيق حركة التاريخ والتحديث ومن أثرها النفسي والاجتماعي والثقافي أننا ما نكاد نفيق من سباتها ومن غفوتها ردحا من الزمن حتى نعود إليها وبذلك يظل الثبات هو ديدن الحياة وديدن الحركة وتتعطل ديناميكية التحديث في مجتمعاتنا فالذي استطعنا تجاوزه من البناءات المعيقة الاجتماعية والثقافية في عقود أو سني الاستقرار أعدنا إنتاجه في زمن الصراع الممتد بين “2011 – 2015م” وهو زمن ما يزال يمتد ولعله الآن في ذروة حالته الانكسارية بعد أن عملنا بكل طاقة الإرادة السياسية على يقظته فالمحافظات الجنوبية التي تجاوزت البناءات الاجتماعية القديمة خلال عقدين من زمن الاشتغال المكثف للحزب الاشتراكي الذي حكم الجنوب إلى عام 90م حدث ويحدث الآن تراجع مذهل في مشروعه من خلال تفاعل رموزه أو أبرز رموز الاشتراكي مع العصبيات القديمة وأعني أولئك الذين غادروا عدن في أحداث 13 يناير 86م وعادوا إليها بعد أحداث 21 سبتمبر 2014م وتداعياتها التي حدثت في 21 يناير 2015م والتي على إثرها استقال الرئيس التوافقي ثم غادر إلى عدن وتراجع عن استقالته وعمد إلى تدمير ما تبقى من مظاهر الدولة وما تبقى من مظاهر المؤسسة العسكرية والأمنية بعد ذلك النشاط المحموم في مشروع الهيكلة الذي دلت الأيام والأحداث أنه كان مشروعا تدميريا كانت حركة الإخوان العالمية تسعى إليه وما تزال ومثل ذلك التوجه للإخوان لم يكن خاصا باليمن بل دلت الوقائع على عمومه سواء في مصر أو في سوريا أو في العراق أو في ليبيا ونسبيا في تونس ولعل الظاهرة النصية للإخوان والثبات الذي تمتاز به رؤيتهم وثقافتهم قد صبغت المرحلة بحالة انكسارية هي الآن في أشد أنواع البهوت وأمام حالة مقاومة قادرة على الصناعة والصراع بين الحالين هي السمة البارزة في كل دول الربيع العربي والصراع بين الحالين الذي أقصده هو صراع بين ماض ثابت متحجر وحاضر متحول ينشد المستقبل وهذا الصراع قائم في مصر وليبيا وفي تونس وفي سوريا وهو أكثر وضوحا في تجاذبات عدن وما جاورها وفي استعدادات نخلا والسحيل بمأرب والجوف وما بين الحالين يبقى الأمل بالانتصار على ثقافة الموت والفوضى والدمار.