حرب الأعراس

عندما يسقط الليل وينعم الإنسان بالهدوء في مدينته من ضجيج حركة النهار يخلد إلى مسكنه ليستريح ويتأمل أمور الحياة الأسرية والوطنية يشعر بالأمان والطمأنينة له ولكل فرد من أفراد أسرته إنها لحظات مهمة في حياة كل إنسان يعيشها مع نفسه حوارا داخليا يراجع بها مواقفه وأعماله ويقيم ذاته ويريح أعصابه وكل أعضاء جسده الحي ليستعد ليوم جديد يجدد فيه نشاطه الاجتماعي والمهني والفكري والإبداعي يزيل الأرق والإجهاد والقلق والخوف الذي ينتابه وهو يمارس حياته الطبيعية إنها لحظات ضرورية بل ومهمة لصحته النفسية والجسدية والفكرية تصور أخي القارئ عندما تفتقد لهذه اللحظة من السكون والتأمل تصبح صيدا للخوف والقلق بشعورك بعدم الأمان في مخدعك وفراش راحتك في البيت إنه الانهيار التام للفكر والنفس والجسد .
هل تعلم أن هذا يحدث لشريحة من مواطني مدينتي عدن الحبيبة وخاصة هذه الأيام إنهم سكان حي ريمي في المنصورة بحكم أن منازلهم هي منازل مركبة من الزنج والبليوت إنه مشروع مكون 650 مسكنا سقوفها من الزنك الألمنيوم سهلة الاختراق لأي  قاذفات صغيرة تسقط من السماء كالرصاص الراجع الذي يرمى في احتفالات الأعراس أو الاحتفالات بعودة المهاجرين أو المسافرين لغرض العلاج أو الحج أو العمرة بمجرد سماع لعلعة الرصاص تجد سكان هذا الحي يصيبهم الخوف والرعب من سقوط الرصاص الراجع الذي يطلقه ضعفاء النفوس والعقول باحتفالاتهم تلك وحدثت حوادث كثيرة راح ضحيتها أطفال وشيوخ ونساء وشباب وهم نيام على أسرتهم أو جلوس في دواوينهم يشاهدون التلفاز تلك الرصاصات الطائشة والراجعة تهدد حياتنا وتقلق سكينتنا مثلنا مثل المارة في الشارع العام أو المتجمعين على جنبات أو أركان الحارات يتداولون أطراف الحديث أنها مخاطر تهدد أرواح البشر ومجرموها لا يطالهم القانون ولا يعرف الضحية من هو غريمه إنه موت مباغت وقتل متعمد عن بعد من المسئول عنه غير الأجهزة الأمنية المعنية بتنفيذ القوانين والنظم ومن وجهة نظري أن من يطلق الرصاص في الهواء يعتبر مجرما وقاتلا لا محالة لأن كل رصاصة يطلقها لابد من أن تسقط وتصيب بشرا أو حيوانا تقتله أو تعوقه أو تخرب ممتلكات الغير .
اليوم رأس كبير من رؤوس الأموال   أزعجنا هو يوم عرس أحد أبنائه استخدمت فيه أنواع الأسلحة والقنابل الصوتية والألعاب النارية لمدة تزيد عن ساعتين جعل المنطقة في حالة استنفار اخترقت الرصاصات المساكن وهناك إثبات والضحايا لا علم لنا بها إلى هذه اللحظة لكن الخوف والرعب أصاب الجميع والمرضى والكبار في السن يرحمون .. إنها ليلة من أصعب ليالي الأعراس التي تؤرق حياتنا .     
كيف لإنسان سوي وعاقل تراوده نفسه إطلاق رصاص في الهواء وهو يعلم أنها أداة قتل ولابد لها أن تسقط وتصيب الغير ثم ما رمزية الفرحة في إطلاق الرصاص التي لم تصنع أصلا للفرح بل للقتل ولو علم الروسي كلشنكوف أن هناك بشرا متخلفين سيستخدمون اختراعه ليفرحوا ويهللوا على حساب حياة غيرهم وإقلاق سكينة العامة وتهديد الآمنين  لعدل عن صنع هذا الاختراع الذي صار هاجس رعب وقلق للسكان في المدن الرئيسة والقرى في البلد.
رغم علمي بمصاعب المرحلة وغياب الدولة التي استولت عليها قوى العنف المسلح إلا  أنني أناشد الجهات ذات العلاقة من وزارة الداخلية والأمن والقوات المسلحة والأجهزة التنفيذية والحكومة والرئاسة التي لازالت تملك القرار أن تعمل بكل ما تستطيع على منع استخدام السلاح في الأعراس والمناسبات في التجمعات السكنية أو غيرها وفرض عقوبات صارمة أو اعتبار كل من يطلق الرصاص قاتلا ويعاقب بجزاء القتلة والمجرمين .
مع العلم أننا أمة لا نعتبر مما حدث ويحدث من حصد لأرواح الأبرياء بأرقام مهولة تتحدث عنها الإحصائيات ولازالت الظاهرة مستمرة بل تتفاقم أكثر وأكثر وكأنها لا تهم الجميع مرتكبيها ومن يشاهدهم ويتساهل عن ممارستهم وتعتبر من الظواهر الأكثر سوءا التي يجب محاربتها والتصدي لمرتكبيها أو الإبلاغ عنهم للأجهزة الأمنية أو حتى مقاضاتهم وفق نص قانوني يجب أن يحرم استخدام السلاح بهذه الصورة الشنيعة والملاحظ أن أكثر مستخدميها هم من الوجاهات والنخب المثقفة والمسئولين الحكوميين .
كمواطنين لنا الحق بالأمن والأمان والاستقرار والسكينة لنعيش دون خوف أو هلع  أو قلق والدولة هي غريمنا الأول ممثلة بأجهزة الأمن في المديرية والحي والمحافظة والوزارة وتكفل لنا القوانين الوطنية والدولية ذلك في مقاضاة تلك الأجهزة ما لم تؤدي دورها المناط في منع المخلين  وحماية المواطن من سلوكياتهم تلك وتوفير أبسط حقوق الحماية والسلامة العامة باعتبار أن الإنسان  ثروة بشرية علينا أن نحفظها ونصونها والإعاقة هي عبء مالي ونفسي على كاهل المجتمع والدولة والالتزام بتطبيق القوانين هي مسألة أخلاقية وثقافية وفكرية ترسم للمستقبل   .

قد يعجبك ايضا