أحزاب كرتونية!
جمال الظاهري

الأحزاب اليمنية قمرة قيادة مزركشة لا أكثر .. لا هوية ولا برامج ولا شجاعة ولا رؤية .. بالمختصر بلا دليل وطني أو موضوعي تلتزم به أو يرسم خطاها.. هذا هو الواقع الذي تعيشه هذه الأحزاب .. فعن دورها في خدمة المجتمع فإنها صفر وعن خدمتها للتنمية صفر وعن تنظيمها الداخلي وعلاقتها بأعضائها تكاد تكون صفرا يستثنى من ذلك الأحزاب الإسلامية التي ثبت سيطرتها وتوجيهها وتنظيمها لأفرادها بصورة أشبه ما تكون عصبوية أو عسكرية’ فهي فعلا منظمة ومسيطرة إلى حد كبير, وما يعاب عليها بحكم قوة السيطرة هذه, أنها تحاول أن تخضع الآخرين عبر مجاميعها وأعضائها بالقوة وهذا الأمر جعلها في عزلة وتصادم دائم مع بقية الأحزاب الأخرى في المجتمع ومع مجموع المجتمع الذي هو غير منظم أو ينأى بنفسه من المشاركة في الحراك الحزبي.
الأحزاب القومية لم تعد تملك من قوميتها غير المسمى والأحزاب الراديكالية هي الأخرى تفتقر لمشروع ورؤية واضحة تقدمها للشعب لذا فهي ترى أن خصومتها مع الواقع الحزبي من منظور أن هذه الأحزاب جعلت أمتنا رهينة للأجنبي ولأطراف خارجية أو لأصحاب نفوذ وعلاقات يخدمون مصالحهم لا غير على حساب المصلحة الكلية للمجتمع, ولهذا فإنها في خصومة أو يراها الآخرون في خصومة مع الواقع ويتحدثون عنها كخطر يهدد بالفناء لكل نضالات وإنجازات الليبراليين واليساريين والقوميين لأن أساس وجودهم كان على حساب هؤلاء الذي باتوا يعتبرونهم من الماضي.
هذه الحالة جعلت من كل هذه الأحزاب عامل هدم وإحباط في حين كان المأمول منها أن تكون رافدا ومجددا للعمل المجتمعي المنظم الذي يحقق حياة أفضل ومستوى معيشيا أرقى ومكانة أسمى بين بقية شعوب العالم المتحضرة التي قبلت بهذه الأوعية التنظيمية كوسيلة للتغيير والنهوض بأوطانها.
تعرف جميع هذه الكيانات الحزبية سواء أعضاء أو قيادات هذا الواقع المزري وما تشكله من عبء على مجتمعاتها ولكنها في نفس الوقت ترفض أن تتعمق في أسبابها وفي مسبباتها وبالتالي تكابر وتتعنت وتغالط نفسها قبل مغالطتها للمجتمع وتدعي ما ليس لها, بصورة فجة وعن طريق التهرب من تحمل تبعات أعمالها وممارساتها الهدامة ولذا فهي في كل مناسبة تلقي باللوم على الآخرين أحيانا وعلى مستوى الوعي الشعبي أحيانا أخرى دون أن تعرض على سبب هذا التخلف كي لا تدين نفسها¿!
الواقع أن الأحزاب في يمننا الحبيب صارت تعيش خارج الواقع وتتمسك بماضيها بكل أخطائه حتى وإن طالبت ونادت بالتغيير وتحسين الأداء التنظيمي والجماهيري فإنها حين تقول ذلك فقط لأنها مضطرة تحت وقع صدمات ومعترك الصراع الذي أفقدها الكثير من قوتها وبريقها ومصداقيتها التي تآكلت مع الأيام وتحت وطأة الضغوط المعيشية المتردية للمجتمع.
وبالعودة إلى قوام هذه الأحزاب ونسبة تمثيلها من مجموع الشعب اليمني فإنها بالتأكيد لا تمثل واقعا أكثر من 8 إلى 10% من فئة المجتمع التي يحق لها المساهمة في صنع واقعها ومستقبلها.. هي تدرك ذلك منذ زمن ولكنها تغالط وتدعي تمثيلها لشرائح وأطياف ومجاميع كبيرة من النسيج المجتمعي.
الواقع يقول إنها بالتأكيد صارت معيقا ومنفذا كبيرا للخراب ووسيلة هدم تعدت في أفعالها تخريب الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية للمجتمع فقد وصل ضررها إلى قيم ومبادئ وأخلاق المجتمع التي تمثل هوية اليمن وما يعرف به اليمني كأفراد أو كشعب.
إن أكبر مشكلة تواجه اليمنيين اليوم وغدا هي نفسها مشكلة الأمس وأعني هنا الأمس القريب والبعيد والمتوسط (التاريخ الحديث) الذي بدأ الإنسان فيه البحث عن جسم أو وعاء منظم يمكن من خلاله تبني وتمثيل الجموع الكبيرة من الناس التي تتضارب مصالحهم وتختلف تصوراتهم لما يريدونه بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة تلبي الحد الأدنى من مصالح المجموع الكلي ولو في حدها الأدنى.
إنها مشكلة الوسيلة وسلامتها ووطنيتها, وحصانتها ضد الأنانيات والعصبيات الجغرافية والثقافية والعقائدية, وقوتها أمام الإغراءات والتهديدات القادمة من خارج حدود وطننا, وهذا يوصلنا إلى أن هذه الأحزاب التي تعبث بحياتنا اليوم ليست أكثر من مبنى هنا وآخر هناك وأنها ضعيفة وفاقدة للأهلية في تمثيل مجتمعها لأنها ضعيفة داخليا بحكم عدم انسجامها في الأداء مع ما يريده مجتمعها ويحتاجه وطنها, وضعيفة خارجيا لأنها لا تستند إلى تأييد وصلابة في مواقف شعوبها التي ما عادت تؤمن بها.
إنها فعلا كيانات ضعيفة غير مؤثرة في القرارات الوطنية بالصورة المطلوبة, تفتقد إلى سياسات قوية ومؤثرة, وتنظيميا ثبت أنها هشة من الداخل وأن من يقودها لا يمتلك الرؤية ولا الشجاعة الكافية لإحداث تغيير يلبي حاجة مجتمعها.
ولو عدنا إلى ما قبل وصول المؤتمر الشعبي العام إلى السلطة وراجعنا قوة من كان ممسكا بزمام السلطة حينها وكيف أنه تم تفكيك واستقطاب وشراء ولاءات أولئك (ناصريين – بعثيين – إخو