غياب أهم ركن إداري في بعض مؤسسات الدولة
جابر يحيى البواب
هناك غياب أو تغييب وأضاح لأهم ركن إداري في معظم وزارات أو مؤسسات الدولة سوف نتعرف على هذا الركن الإداري الهام وكيف تسبب غيابه بتصدع وانهيار سقوف هياكلها التنظيمية ولوائحها الإدارية, خصوصا بعد أن انحسر تدريجيا, ولم يعد له وجود منذ تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو حيث أرى أن هذا الركن كان متوفرا بقوة في المؤسسات الجنوبية قبل الوحدة وبنسبة لا بأس بها في الموسسات الشمالية, وقد اختفى تقريبا بعد صيف 1994م من معظم المؤسسات الحكومية في دولة اليمن الموحدة وأصبحت المزاجية والارتجالية والمحسوبية هي المسيطرة على المؤسسات الحكومية, مما أدى إلى تردي مستواها وتقهقرها وتخلفها, وبالتالي عجزها وفشلها, وفقدانها القدرة على الوفاء بالتزاماتها الرسمية والأخلاقية والوطنية وهو ما يعني أننا أمام فساد مالي وإداري متزايد إلى الآن(2015م).
اتفقت الدراسات التحليلية والتنظيمية في الدول المتقدمة على أهمية (التوصيف الوظيفي), الذي يعد أهم ركائز المؤسسات الإدارية, وأقوى أركانها, فالوصف الوظيفي هو الركن المتين الوحيد, الذي ينبغي الاستناد عليه في تحديد القيمة النسبية للوظائف داخل المؤسسة, والاستدلال على المسارات الصحيحة في خارطة المواصفات الوظيفية القائمة على المعايير العادلة, وصولا إلى تشخيص مواصفات شاغل الوظيفة, وتحديد مستواه التعليمي, ومعايير تأهيله المهني والإداري, ومجالات خبرته ومدتها, ومهاراته المطلوبة, وسماته الشخصية, وصفاته الاجتماعية, ومن ثم معرفة حدود مسؤولياته, وسلطاته الوظيفية, وواجباته الأساسية, ورسم ملامح البيئة الإدارية التي يتعين عليه العمل فيها, مع وضع تصور كامل لمؤهلات الوكلاء والوكلاء المساعدين ومدراء عموم المؤسسات أو الوزارات الحكومية والشركات, ومؤهلات مدراء أقسامها وشعبها وتفرعاتها الأخرى, فالتوصيف الوظيفي أداة عادلة جدا تستعين بها الوزارات في تقييم أداء تشكيلاتها الوزارية, وهو أيضا وثيقة قانونية غير خاضعة للتلاعب, ولا تسمح بالانحياز إلى طائفة معينة أو فئة محددة, ولا تتضمن أية إشارة إلى العنصر أو اللون أو الدين أو السن أو الجنس, ولا ينبغي أن تجري الأمور على ما هي عليه الآن في غابات التقافز الإداري فوق درجات السلالم الوظيفية,حتى بات الباب مفتوحا على مصراعيه, فأصبحنا نلاحظ مدى المحسوبية والوساطة والمحاصصة في الدرجات والمراكز الوظيفية, وحملت لنا سمومها وهمومها, فطغت على واجهات الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة الولاءات الحزبية والمنطقية , وفرضت علينا بعضا من المسؤولين والوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء الذين لا تنطبق عليهم أدنى معايير الكفاءة أو الخبرة التخصصية , ولا تشملهم الاستحقاقات الوظيفية المتعارف عليها, وكانوا عالة على عملية التحسين أو الأداء الوظيفي وعالة على تنمية وتطوير الجوانب التنموية المختلفة (الاقتصادية والسياسية والثقافية والطبية والرياضية..الخ) , وتسببوا في انتشار الفساد المالي والإداري , وتفشي الرشوة, وضياع الحقوق, فاضطربت الأوضاع, وعمت الفوضى والعشوائية في معظم مؤسسات الدولة.
وهكذا كتب علينا نسبة من الفشل في تحقيق التقدم والتطور والازدهار سوى قبل ما أسمي بثورة التغيير أو بعدها وحتى بعد ثورة 21 ستبتمبر 2014م,وهو ما يجعلني أؤكد أننا لم ننجح في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب, إلا في حالات نادرة جدا ساقتها رياح الصدفة.
فالاختيار والتعيين للمناصب العليا يجري عندنا خارج السياقات السليمة, التي تحدد صلاحية المرشح الأصلح, والتي يفترض أن ننتقى فيها أفضل المؤهلين لشغل الوظائف الشاغرة, فمعايير العقل والمنطق والعدل والإنصاف تحتم علينا الاستناد على قاعدة التوصيف النوعي الوظيفي, وبخاصة حين يتعلق الأمر باختيار أصحاب المناصب الإدارية العليا, لأن هذه القاعدة هي السبيل الأسلم لمعرفة مهارات الناس, والانتفاع بهم, فإذا توفرت في المرشح الأهلية العلمية والاستقامة والإتقان والخبرة, فهو الأنسب ولا مجال للتردد, بصرف النظر عن لونه وعرقه وطائفته وميوله الحزبي, أما إذا كان المرشح مؤهلا من وجهة نظر حزبه وقبيلته وواسطته, لكنه غير مؤهل علميا, فمثله لا يصلح لمنصب صناعة القرار ولا ينفع مجتمعه ولا يطور وطنه , لأن المرء عدو ما يجهل, بصرف النظر عن توفر حسن النية, وقد تسبب أمثال هؤلاء في تردي الأداء, وفقدان تكافؤ الفرص بين الموظفين الآخرين, وتسببوا في اضمحلال التنافس الشريف بينهم, واتجاههم إلى العبث والتخريب واللامبالاة, وتسببوا أيضا في هجرة العقول والأدمغة الوطنية الكفئة, وسمحوا بتزايد نفوذ الوصوليين والانتهازيين , والتفافهم حول المسؤول الدخيل على المؤسسة أو الوزارة وعلى العمل