منذ عقود طويلة، تُسجّل الوعود الدولية ضد الفلسطينيين، بينما تُمنح العهود للاحتلال. نصف قرن من القرارات، من الأمم المتحدة إلى أوسلو ومدريد، لم يُترجم أي منها إلى حرية أو دولة فلسطينية مستقلة، بينما بقي الكيان الصهيوني الإسرائيلي المحتل محصنًا بالعهود والاتفاقيات الغربية، ومكرّسًا وجوده على أرض فلسطين التي لا حق له فيها، والتي أُعطيت له من بريطانيا ومن لا يملك.
كل محطة تفاوضية، من وقفة ياسر عرفات وإسحاق رابين مع كلينتون في البيت الأبيض، إلى مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو عام 1993م، حملت وعودًا للشعب الفلسطيني، لكنها لم تُنفّذ، بينما العهود للاحتلال ضمنت له كل المكاسب، من توسيع الاستيطان إلى تهويد القدس والسيطرة على المعابر والأمن. السلطة الفلسطينية وُلدت بلا سيادة حقيقية، لتصبح فلسطين تجربة صارخة في خذلان الوعود وإعطاء العهود للمحتل.
واليوم، تتكرر المعادلة نفسها مع خطة ترامب الأخيرة. هذه الخطة التي وُصفت زورًا بالسلام جاءت لإنقاذ الكيان الصهيوني الإسرائيلي المحتل بعد فشله في غزة، وإبقاء الفلسطينيين في دائرة الوهم والوعود الفارغة. ليست خطة للسلام، بل إعادة ترتيب لمكتسبات الاحتلال، وتكريس للهيمنة الأمريكية والغربية التي دافعت عنه على مدى عقود، متجاهلة الحقوق الفلسطينية والمجازر اليومية في غزة والضفة.
الآن، تظهر الحقيقة بوضوح: لا خلاص للفلسطينيين إلا في مواجهة هذه السياسات بمقاومة حقيقية. أصحاب الأرض هم الفلسطينيون، وهم محور المقاومة، وهم أحرار الشعوب الذين لن يرضخوا للاحتلال ولا للوصاية الغربية ولا للخيانة العربية. غزة اليوم صامدة، والضفة تحاول الحفاظ على ما تبقى من حقوقها، والمقاومة الشعبية في كل بلدان الشتات تؤكد أن القوة الحقيقية ليست في القرارات الدولية ولا في خطط ترامب، بل في إرادة شعب يرفض الخضوع.
خذلان بعض الأنظمة العربية ليس وليد اليوم، بل امتداد لسياسات مواربة على مدى عقود، حيث اختارت مصلحة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني، ورغم علمها بأن هذا الكيان لا أصل له في فلسطين ولا في الشرق الأوسط، اختارت المهادنة أو التطبيع كغطاء لخضوعها. لكن الواقع الراهن يفرض درسًا واضحًا: لا خطة ترامب، ولا وعود الغرب، ولا خذلان العرب، قادرة على تجاوز إرادة الشعب الفلسطيني ومحور المقاومة.
فلسطين اليوم ليست مجرد قضية تاريخية، بل اختبار حاضر ومستقبل. المقاومة في غزة، والصمود في الضفة، والمقاومة الشعبية في الشتات، تثبت أن الأرض لا تُسلب بالوعود ولا بالعهود الدولية. أصحاب الأرض، ومحور المقاومة، وأحرار الأمة، هم من سيحددون المشهد القادم، وهم من سيقررون مصير فلسطين، بعيدًا عن وعود زائفة وخطط أمريكية وإرادات خائنة.
الأمة اليوم أمام مسؤولية تاريخية: دعم فلسطين وصمود شعبها، مواجهة كل من يحاول فرض الهيمنة على أرض لا يملكها، ورفض كل خطاب سلام لا يقوم على حقوق أصحاب الأرض. كل خطة دولية يجب أن تُقاس بمقدار دعمها لصمود الشعب الفلسطيني، لا بمقدار ما تمنحه للاحتلال.
اليوم، بين الوعد الذي طال انتظاره والعهد الذي مكّن الاحتلال، يظهر جليًا أن الطريق الوحيد للحرية والتحرير يمر عبر صمود الفلسطينيين، ودعم محور المقاومة، وتضامن أحرار الشعوب. فلسطين باقية، صامدة، مقاومة، وستظل رمز الحق والكرامة لكل حرّ في العالم، حتى تتحقق الدولة الفلسطينية المستقلة، وتُستعاد الأرض من يد الغاصب، مهما طال الزمن أو تعددت المؤامرات.
إنها لحظة الحقيقة: الفلسطينيون أصحاب الأرض فقط، مع محور المقاومة وأحرار الشعوب، هم الذين يملكون القدرة على قلب المعادلة، وتحويل الوعد الزائف إلى حق، والعهد المزيف للاحتلال إلى نهاية الاحتلال ذاته. فلسطين لم تختفِ، ولن تختفي، فهي حاضرة في كل مقاوم، وفي كل حجر يواجه الدبابة، وفي كل قلب لا يرضى بالظلم، لتثبت أن الحق لا يموت، وأن الأرض المغتصبة لا تسترد إلا بالإرادة.