حين يرثي المثقف ذاته.. «2-2»
• فايز محيي الدين البخاري

*عذابات العزي: القصة بدأتú برثاء حالته العاطفية وانتهت برثاء حالته الأدبية لفشله في إنتاج عمل روائي يستحق القراءة وما بينهما كان رثاؤه لحالته الاجتماعية ووضعه المادي. كلمتا (رثاء) و (ذات) ومفردات العذاب والمرارة والمعاناة ترددتú كثيرا في هذا العمل مثل قوله ص9: “رثاء للمصير الإنساني- رثاء حياة تتألم” وفي ص36 “ذوات متعالية- ذات مطمئنة”.. وفي ص33: “منذ غادر قريته باحثا عن احترام وتقدير للذات” “يسترجع تفاصيل هوانه” وفي ص38: “رثاء الذات وعذابات الآخر” وهذه الذات المعذبة تريد أنú ترتب لكل زملائه جحيما. وقوله: “يتصرف طوال حياته كخاسر ومحتقر وكدمية لا قيمة لها” وهذه الجملة بالذات تكررتú ثلاث مرات: مرتان ص38 ومرة ص39.. وهنا يتجلى رثاء الذات في أبهى صوره وتنعكس تأثيراته في الرغبة الجامحة لدى العزي في الانتقام من الآخر حتى لو كان من زملائه والمعايشين له. وهذه عقدة تراكمية نتيجة الخيبات المتوالية في حياة (العزي). ويستشهد على ذلك بـ(أحدب نوتردام) لفيكتورهوجو وليته أضاف (سيرانو دي برجراك) بطل رواية الأديب الفرنسي “أدموند روستان” التي ترجمها المنفلوطي وأسماها (الشاعر) فهي كثيرة الشبه بحياة العزي ذي الخيبات العاطفية والعملية. – العزي المثقف شخصية عدوانية وشخصية تكره أي ناجح مثل زميله الصحفي الذي يعمل مراسلا لجهة أجنبية بالدولار حيث نجح ماديا وعاطفيا بل ولو كانت هذه النجاحات فقط عاطفية: “ملابسه تدوخ النساء.. اعتقد العزي أن حسن سائق محظوظ فكرهه حد المذلة) ص51. والمؤلم في حياة العزي إزاء خيباته العاطفية أن معجباته – كما يظن – يصفنه بانفصام الشخصية وغرابة الأطوار. – (مدينة عدوانية- أضرار فادحة بالمروءة- قيلة محترمة على حساب ذات محترمة)ص36.. هذه كلها جمل تشي بحالة المثقف الانتهازي والشخصية التي تشعر بالإخفاقات وعدم تحقيق ذاتها كما تحلم به الأمر الذي جعلها تصف صنعاء مدينة الفن والجمال المعماري ومعشوقة الأدباء والفنانين على مرö العصور بأنها مدينة عدوانية. وهذا يعكس الشعور بالإحباط الذي يجعل كل شيء بناظري صاحبه عدوانيا ومقيتا. وهذا ما يجسöده إيليا أبو ماضي بقولöه: والذي نفسه بغيرö جمال ** لا يرى في الوجودö شيئا جميلا – حاجة (العزي) دفعته للارتماء بأحضان (الإخوان المسلمين) وتحمل عناء إيقاظهم له وقت صلاة الفجر واستنشاق الأوزون في الطريق الإسفلتي المذöل بين الغرفة وجامع عمر. وهو هنا يعكس حالته المأساوية من خلال إطلاق إحساسه على الطريق الذي يصفه بـ(المذöل). وبعد ذلك ارتمى في أحضان حزب البعث دونما قناعة بالتيارين اللذين تتمرد عليهما ذاته المبدعة فقط من أجل غرفة فوق سطح مقر حزب البعث. ** لعنة الذات المتشظية بين الـ(الأنا) الأعلى والذات المطحونة بالواقع المرير وتوالي الخيبات ظلتú حاضرة وبقوة في ثنايا القصة: ((فأدركه الضجر وعاوده الشعور بالضياع وقع مرة أخرى في لعنة فرح و”أنا العزي أنا كاتب أنا….))ص40.. “على المرءö أنú يكون شجاعا ونزيها ليجد ذاته”ص41.. (إراقة ماء الوجه- العزي الطفيلي- المثقف الوجودي المأزوم- متسولون متكبرون- على المرء منافقة من يرزح تحت وطأة الكرامة المنكودة بوساوس الحظ العاثر)ص80.. (عبدالرحيم اشترى أرضية بخمسين مليون وراتبه عشرون ألف وقد احترمه الجميع وشعر بكينونته – أي ذاته- وقدرته على الفعل- لا ينبغي لمن كان مثقفا الشعور بخيبة الأمل إزاء ما كان يكتبه ضد الفساد). وهذا تأكيد لمهيمنة النص التي ذهبنا إليها وفي الوقت نفسه تعرية وجلد للذات التي بدأت تميل إلى تحقيق نفسها ولو بالطرق غير النزيهة كما يؤكد ذلك حديث العزي مع نفسه عن ابن مانع المتسلöط على القرية بطرöق عنجهية وعن زميله العسكري الذي اغتنى من طرق غير مشروعة. – ص83: (لكل شيء في وجدان العزي معنى ذو نزعة مأساوية ضمن ورطة بؤس الإمعان) بوح دون مواربة ولا لبس فيه. – ص80: ((اشترى عبدالرحيم قاتا كثيرا.. واغتبط وهو يقدم للعزي مائة ألف ريال معلنا أنها هدية من صديق ولو كان العزي قد مر بتجربة كهذه قبل نزوله من صنعاء أيام أزمة المثقف الوجودي ونرجسية الكرامة لاعتبرها إهانة اختارها بنفسه. على أن المبلغ ثمن بخس مقابل الصمت. لطالما أرقته الكرامة عندما كان موهوبا تترصده أشكال المساندة ومبالغ الدعم المالية في صنعاء. نرجسية تتجلى في البحث عن تبريرات تقيه احتقار الذات)).. جلد الذات والبوح بالصراع الذي يحتدم داخله بين الذات المحترمة التي يجب أن تكون وبين الذات غير المحترمة التي أصبحها تحت وطأة الحرمان والظروف المحبطة. وهي لعمري أزمة يعاني منها عدد من المثقفين الذين يرزحون تحت وطأة الحرمان. – ص83-84:((وكان العزي يتصبب عرقا وقد أضمر استباحة كل شيء: النسوان والصحبة والسه