الإعجاب بالذات

من الظواهر التي يتردد الحديث عنها في السنوات الأخيرة بالغرب ظاهرة «الإعجاب بالنفس» أو ما يتم التعبير عنه بـ«النرجسية». وهذه الظاهرة بالتحديد هي موضوع كتاب الطبيب النفساني والأستاذ الجامعي لوران شميت الذي يحمل عنوان «رقصة المعجبين بأنفسهم».
ما يتم تأكيده في الصفحات الأولى من هذا الكتاب هو أن ظاهرة الإعجاب بالذات تتعاظم أكثر فأكثر ويتم إظهارها بل و«الإفراط في إظهارها» في العديد من ميادين الحياة والنشاطات المختلفة من الرياضة ــ مثال اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو واللاعب السويدي زلاتان ابراهيموفيتش ــ إلى السياسة ـ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ومرورا بالفن والكتابة وغيرهما.
ويتم في البداية أيضا طرح العديد من الأسئلة مثل : هل هناك أصل بيولوجي أو وراثي لظاهرة الإعجاب بالذات¿ وهل هناك بعض الصفات الشخصية التي تؤهل صاحبها للإعجاب بالذات¿ وهل مجرد التنافس وحاجة التميز الاجتماعي تدفع البعض إلى إظهار «تفوقهم على الآخرين» عبر «إبراز شخصيتهم»¿ وفي المحصلة ما هي الآليات التي تدفع نحو «الإعجاب بالذات»¿
ما يؤكده المؤلف هو أن ظاهرة الإعجاب بالذات والنرجسية ليست ظاهرة جديدة في التاريخ الإنساني. ولكنها غدت أكثر بروزا بفعل تسليط أضواء الإعلام عليها وتعدد وسائل ذلك بوجود الثورة الرقمية وما أثمرته من تكنولوجيات أعطت لكل من يريد إمكانية «استعراض» ذكائه وكفاءاته.
ويتحدث المؤلف في هذا السياق عما يسميه «تصنيع الإعجاب بالذات». ثم ينقل عن الفنان أندي وارول قولا مفاده: «سيكون لكل فرد في المستقبل الحق بربع ساعة من الشهرة عالميا». مثل هذه الإمكانية بالحصول على الشهرة مهما كانت مؤقتة أصبحت بمثابة «صناعة».
المثال الملموس على مثل هذه الصناعة يجده المؤلف فيما يسمى بـ«تلفزيون الواقع» حيث تتاح إمكانية الشهرة لأناس عاديين بما لا يقاس مع أية مرحلة أخرى في التاريخ الإنساني كله. بالمقابل كل ما كان يجري سابقا في أجواء محدودة وبصورة لا يعرف فيها سوى قلة من البشر غدا اليوم يتم في أحيان كثيرة أمام سمع ونظر الملايين من البشر.
بالتوازي مع ذلك ما كان يتطلب الحصول عليه شهرة فنية أو فكرية أو علمية يمكن أن تصنعه اليوم «لحظة تلفزيونية» كما يكتب المؤلف. ويحدد التعبيرات الأساسية للإعجاب بالذات في «التعالي» و«ورؤية مبالغ فيها في النظر للقيمة الشخصية» و«امتلاك أنا» متضخمة على الصعيد الاجتماعي.
ومن الأسباب التي يتم التأكيد عليها في هذا السياق وتؤدي إلى اضطرابات في الشخصية باتجاه «المبالغة في إظهار الأهمية الشخصية» هناك إحساس المعني أنه لا يحظى بالقدر ذاته من حب الآخرين أو ربما أنه يعاني من «عاهة بدنية» تدفعه إلى البحث عن الرفعة تنفيذا للمقولة الشهيرة «كل ذو عاهة جبار».
 وبعد أن يؤكد المؤلف أن كل شخص هو بحاجة إلى الإحساس بـ«تقديره لذاته» وبالقدرة على الاستقلال الذاتي وهذا ما يطلق عليه الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو «الأنانية الجيدة» كما ينقل عنه المؤلف.
بهذا المعنى غدا ما كان الأطباء النفسانيون يعتبرونه حتى الأمس القريب «انحرافا حميدا» لا تترتب عليه أية خطورة بمثابة مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالعيش في مجتمع. ذلك أن لوران شميت يرى في هذه الظاهرة تعبيرا عن أزمة يعاني منها أصحابها من زاوية علاقاتهم مع الآخرين.
وتتعاظم حدة المبالغة في الإعجاب بالذات وعدم التوقف عند أية حدود في تضخيمها في ظل غياب أي إدراك لدى المعجبين بذواتهم أنهم «يبالغون» في تضخيمها. وليس هناك أي صوت داخلي يقول لهم «لقد تجاوزتم الحدود» كما يعبر المؤلف. بالوقت نفسه يرون سلوكيتهم طبيعية وليس فيها أي خروج عما هو مألوف اجتماعيا. ولا يخامرهم الشك حولها. لذلك من النادر جدا أن يلجأ أحدهم إلى الطبيب النفساني طلبا للعلاج.

قد يعجبك ايضا