»المحرقة« ورؤى الجسد

علي أحمد عبده قاسم


القصة القصيرة اليمنية تفرض شكلها في المشهد الثقافي والإبداعي بقوة ولها مبدعوها وتتفاوت فيما بينها من حيث العمق والإتقان لكنها تحولت إلى فضاء رحب لطرح الكثير من القضايا والرؤى.
والقصة النسوية اليمنية برزت فيها الكثير من المبدعات اليمنيات والكاتبات اللواتي أتقن هذا الفن والذي تواءم هذا الشكل مع المرأة وقضاياها فتحولت القصة القصيرة النسوية اليمنية فضاء ومساحة رحبة وخصيبة تمكنت المرأة من طرح قضاياها وانشغالاتها وأفكارها ورؤاها وعلاقاتها بالمجتمع والثقافة والتمرد على الخيارات ولو حتى في السطور.
والقاصة انتصار السري واحدة من القاصات اللاتي لهن أسلوبهن الخاص فقد صدر لها مجموعة بعنوان “العزف على سيفونية الألم” ومجموعة “المحرقة” والأخيرة فازت بجائزة الشاعر الدكتور/ عبدالعزيز المقالح 2013 والمجموعة صدرت عن دار عبادي للطباعة والنشر عام 2013 ضمت المجموعة بين دفتيها ثلاثا وثلاثين أقصوصة تناولت فيها قضايا متعددة تدور حول قضايا المرأة وعلاقاتها بالمجتمع والموروث وآمال وأحلام الأنثى وهذه المجموعة لا تختلف عن قضايا القصة اليمنية النسوية عموما فجميعها تخرج من مشكاة واحدة مع اختلاف التناول والأسلوب والنضج والإتقان.
في هذه القراءة سأتناول رؤى السرد كما في النصوص وسأبدأ بقراءة العنوان.
المحرقة: إسم مكان احتراق النار وتعالي ألسنتها والاحتراق التحرق للنار من أشياء تتلف والتحرق والاحتراق شدة النار والتعرض لها وهي عكس التبرد والبرودة.
ومما سبق يلحظ أن الدلالات اللغوية تعكس إشارات أخرى:
• اسم المكان “المحرقة” يشير إلى قسوة الحياة والتهامها للآمال والمطامح والعمر.
• أن المكان والحياة بقسوتها ما هو إلا إتلاف ويأس يلف الآمال والأحلام.
• المحرقة واسم المكان دلالة على استمرارية الاشتعال بإيقاد عال لتسعير الروح بوصف الروح متطلعة دوما للأمل ونادرا أو في أحيان قليلة يكسوها الإحباط ومن ذلك كله إن المحرقة معادل رمزي للحياة بصورتها القاسية.
ولأن المجموعة تتناول المرأة وقضاياها وعالمها حتى يتأتى لها التأثير والفاعلية فإني في هذه القراءة سأتناول أولا الحضور الطاغي للأشياء المرتبطة بالجسد بوصفها تعكس شيئا من رؤى الأنثى عموما والمرتكز الذي تناقش فيه المرأة قضاياها ولأن الجسد هو الفاعل المحترق في المنتج الإبداعي النسوي وتلك هي علامات سيميائية عميقة لها إشاراتها ودلالاتها في النص السردي ففي “نص المحرقة” الذي هو عنوان المجموعة كلها يلحظ القارئ التلميح إلى خاتم الزواج الذهبي “نزعت من بنصر يدي قيد زواجي تأملته قليلا كان باهتا ملست عليه عله يلمع كعهدي القديم لكنه أبى.. لا نبض فيه دون تردد رميته إلى جوف المحرقة فعاد خفقان قلبي” فكان الخاتم علامة سيميائية صادمة فتحول من الرباط المقدس القائم على تقديس إلى سجن ليس إلا ورمزا للرتابة والجمود والسواد وكان الخاتم رمزا للخروج فكان قضية الجسد باحثة عن التجدد والحرية والفاعلية والكينونة الوجودية خاصة وإن اللغة بتراكيبها “قيد زواجي كان باهتا عله يلمع عاد خفقان قلبي” لذلك كأن الرموز ترعب بانفتاح وفتح آفاق للكينونة لتكون صاحبة الإرادة كما تريد لا كما يراد لها وهي هموم للمرأة تنشغل بها فكان الإحراق للأشياء إشارة لاستعادة الهوية بالذات لذلك كانت قضية الزواج دون تحقيق الأمل بمثابة موت للهوية والكينونة والمشاعر لتطرح قضيتها مع الواقع الاجتماعي ونظرة المجتمع “الباب يفتح وإذا بشخص يتقدم نحوي يرتدي ثيابا ناصعة البياض وذو لحية بيضاء يتوكأ على عصا أتيت لأصحابك فلقد انتهى مقامك هنا” ص16.
فالزواج ومن خلال النص يعكس نظرة المجتمع للمرأة لذلك النص ليبحث عن التحول والفاعلية والغنى والانشغال المتحرر بكينونة لها تأثيرها وقدرها الإنساني الكوني ليتأتى التغير الاجتماعي ترسمه القدرات الخلاقة في المجتمع والكون ويتحول الجسد من مقموع إلى متحرر فاعل ومن جسم يمتلك إلى جسد له رؤيته في الحياة الاجتماعي وله الخيارات التي يستحق الوقوف أمامها ليتحقق السكينة والاستقرار.
وإذا ما تأمل القارئ الباب فإنه علامة رمزية لانفتاح الحياة ولكن بالفكر المجتمعي الأبوي المهيمن لذلك يرسم صورة من التعسف الاجتماعي “ذو لحية بيضاء يتوكأ على عصا” لتكشف عن الواقع الثقافي والاجتماعي الذي ترزح تحت وطأته فإذا كان “الباب” ملفوظ لساني إلا تجاوز إلى دلالات رمزية إلى الانطلاق والخروج وممارسة لكنه لم يكن الباب المأمول بل قهري تعسفي ليتحول الزواج إلى تجرد من الروح “في المنزل كان جسدك حاضرا وتجردت أنا من صرت آلة طبخ وغسل و…” ص19.
فكانت الرؤية كاشفة للعلاقات الاجتماعية وعدم قدرتها التأثير بواقع يبدو كالعبودية لترغب الأنثى في خلق علاقات تملأ الحياة وجودا وتأثيرا وترسل

قد يعجبك ايضا