الجنوب… قضية لا تحتمل التأجيل
عبدالرحمن مراد

مقالة
اتسع المدى الزمني للقضية الجنوبية فمنذ نشأتها الأولى الأكثر ظهورا في 2007م وحتى هذا التاريخ الذي نحن فيه سبعة أعوام ومثل ذلك الامتداد الزمني لن يكون أمرا محمودا على النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي بل وأصبح تهديدا حقيقيا للهوية الوطنية والحضارية والتاريخية وتهديدا للمستقبل المنظور. ولعله من معايب السياسة الكبرى في اليمن أنها توظف القضايا الجوهرية والحقيقية وتتركها للزمن دون أن تبتكر لها الحلول والمعالجات إلى أن تصل ذروتها فتصعب حينذاك المعالجة أو يتضاعف الثمن وهنا قد يهددنا العجز بالفشل والفشل قد يفضي إلى التيه والتيه هو الضياع الكبير الذي تصل إليه الأوطان في مراحل زمنية بعينها إذ أنه حدث في التاريخ القديم كذاك الذي أصاب بني إسرائيل وحدث في التاريخ المعاصر وما أمر الصومال عنا ببعيد.
لقد وصلت القضية الجنوبية إلى مرحلة بالغة التعقيد فإذا كانت نشأتها حقوقية فإن ذروة اشتغالها الآن يتجاوز سقف مطالبها وهو من عوامل التشظي والانقسامات فالقول بفك الارتباط واستعادة دولة الجنوب قد يبدو في ظاهر شكله من المطالب المشروعة للجماهير إذا رأت تلك الجماهير أن مصالحها فيه ولكن حقائق الواقع وقانون التاريخ وظلاله العام يرى أن يقظة الهويات المحلية والهويات المجزأة في واقعنا اليمني.
وهنا أؤكد على يمنية اليمن الطبيعي لأنها لا تمنع شعب الجنوب اليمني أن يقرر مصيره ولن تكون عائقا لن تترك جنوبا يمنيا موحدا وبالتالي سيكون التنازع والتنازع يكمن في جوهره الفشل والفشل لن يترك اليمن الطبيعي مستقرا. ومن اليقين بتلك الحقائق تبدأ الحلول بعيدا عن جوهر الانفعالات والأنا المظللة وبعيدا عن المناكفات والاشتغال السياسي المقيت الذي يعمل على تدمير اليمن ويرتهن للآخر ليكون معوله الذي يصنع الفواصل ويعزز من عوامل الانقطاع والفصل بين الذات الجديدة والذات الحضارية القديمة ذلك لأن الشعور بالفراغ من حالات الفصل الحضاري يجعل الارتهان للآخر أمرا ميسرا إذ تسهل فرضيات الهيمنة عليه وحالات الوصل من الأمور القاهرة التي تعمل على تمتين أواصر الانتماء بل وتعمل على تقوية مكونات الهوية وتفعيل عناصرها في المعادلة الوجودية وهو أمر قد يهدد الكيانات الطارئة التي لا تمتد في العمق التاريخي ولا في العمق الحضاري وفي مثل ذلك يكمن خوف الآخر من نهوض اليمن وقد رأينا كيف أن تواجد الآخر في الشأن اليمني كان بقدر خوفه أو يفوق كما أننا نرى أن المشاريع الوطنية ذات الامتداد المتجذر في العمق الزمني ظل مستهدفا وما يحدث اليوم في أرض الجنوب اليمني استهداف ممنهج للذات اليمنية ومثله قد يكون حالة إشباع لفراغ وجداني يعيشه شعب الجنوب لكنه في جوهره حالة تدمير شاملة للبناءات الاجتماعية والثقافية والنفسية ولن نستبين الرشد إلا في المستقبل الذي يزحف الحاضر إليه إما تحت راية الوحدة أو تحت رأية الانفصال.
القضية الجنوبية قضية إنسان يبحث عن دولة وتلك القضية قضية وطنية شاملة بدليل أن حديث الناس في عام 90م عام إعلان الوحدة اليمنية كان معبرا عن رغبته في الدولة العادلة وفي النظام ولا تجد فردا أو جماعة إلا وهاجسهم لعلنا نجد نظاما ونجد دولة. وظل هذا الهاجس هو الباعث لأحداث 2011م وهو الباعث على ما تلاها في 21 سبتمبر 2014م أي أن حلم الدولة حالة وجدانية وطنية تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بيد أن الاشتغال السياسي ظل وما يزال بعيدا عن تلك الحالة الوجدانية وكاد في مجمل حالاته أن يتعامل معها بوصفها لعبة سياسية أو حالة ضاغطة وفي حالات كثر يرى فيها نزفا ذهنيا مبالغا فيه.
ما يجب أن يفهمه ساسة هذا البلد أن حلم استعادة الدولة هو حالة وطنية شاملة لا تخص الجنوب وحده ولا الشمال وحده ولكنها أصبحت تعبيرا وطنيا شاملا كان شعب الجنوب الأقدر في التعبير عنها والأوضح في الإبانة في حين ذهب شعب الشمال إلى العنف والفوضى أملا في تحقيقه أو الوصول إليه.
وأمام كل التفاعلات الشعبية التي تحدث في أي بقعة من بقاع اليمن لا نجد الأحزاب تستوعب تموجات الوجدان الشعبي وتطلعاته بل تذهب كثير من تلك الأحزاب إلى المكايدة السياسية بالقضايا الوطنية المصيرية كالقضية الجنوبية وبحيث تعمل على إحداث الانحراف القاتل في سياقها العام ومثل ذلك حدث ويحدث في سياق القضية الجنوبية التي حاولت مجموعة متضافرة من الأحداث على تشويهها والنيل من عدالتها لأن الذي يتضرر أو يظن أنه سوف يتضرر من وجود دولة عادلة ومهيمنة يعمل ما وسعه الجهد على المقاومة بشتى الطرق والوسائل بل يكاد يذهب إلى تفكيك المنظومة القيمية والأخلا