أخلاقيات الوظيفة العامة
محارب علي أبو غانم
نابليون بونابرت في مقولته الشهيرة (أعطني قليلا من الشرفاء أحط بهم جيشا من اللصوص).
الفساد في اللغة يعني التلف أو عدم الصلاحية فيقال فسد الشيء بمعنى فقد صلاحيته قال تعالى: (ولا تفúسöدواú فöي الأرúضö بعúد إöصúلاحöها) الأعراف 56 هناك عدة صور للفساد منها الفساد السياسي والإداري والمالي والأخلاقي والديني والاقتصادي وسنتناول هنا الفساد الإداري وهو المستشري حاليا في كل مفاصل مؤسسات الدولة ويعرف بأنه (إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها عن غايتها الرئيسية وهي المصلحة العامة) وهناك عدة تعريفات أخرى للفساد الإداري فمنظومة الشفافية الدولية تعرفه بأنه (سوء استخدام السلطة العامة) وصندوق النقد الدولي يعرفه بأنه (علاقة الأيدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين ويصبح الفساد علاقة وسلوك اجتماعي تسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة) والبعض يعرف الفساد الإداري بأنه ( ذلك السلوك الإنساني الذي يدل على الانحراف في الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة لتحقيق مصلحة شخصية مادية أو معنوية تتعارض مع المصلحة العامة) وهناك مظاهر وأشكال عدة للفساد الإداري في اليمن منها المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية واستخدام أو استغلال المنصب العام من قبل الشخصيات المتنفذة للحصول على امتيازات خاصة مباشرة أو غير مباشرة كالامتيازات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية والوكالات التجارية للمواد الأساسية والحصول من الآخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات ومن أشكال الفساد أيضا غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية وأيضا الرشوة والابتزاز والتهديد والاختلاس.
ويلاحظ أن أغلبية الباحثين والدارسين المهتمين بتحلل مظاهر وإشكال الفساد وتحديد أسبابه يتفقون على أن الفساد الإداري بمختلف مظاهره وأشكاله يعود في الأساس إلى انحراف أخلاقي سلوكي يعكس تفكك عرى الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة وهو السبب الذي يقود إلى انخفاض معنوية الموظف تجاه القيم الجيدة ويساعد على إخفاقه في التمسك بالقواعد الرسمية والعمل في ظل الإغراءات ودوافع المصالح الشخصية التي قد تكون مادية أو معنوية فعلماء الإدارة قد أجمعوا على أن علاقة الأخلاق بالإدارة جزء من العملية الإدارية لأن السلوك الوظيفي جزء من السلوك الإنساني الذي يتأثر بالقيم والتقاليد والفساد الإداري لا تقتصر أسبابه على خضوع الموظف للحاجات المادية ولكنها تشمل وبصورة أقوى خضوعه لتحيزاته وانتماءاته أيا كانت حزبية أو مذهبية أو غيرها وأيضا أيديولوجياته وخلفياته المحددة.
فالفساد الإداري ما هو إلا نتيجة لفساد القيم الاجتماعية في المجتمع نفسه الذي يعيش بداخله هذا الموظف.
من جانب آخر نجد أن أخلاقيات الوظيفة العامة تحظى باهتمام من مختلف حكومات العالم حيث نلاحظ اتجاها يكاد يكون عاما في تشريعات الخدمة المدنية لمعظم الدول وهو الاشتراط للتعيين في الوظيفة العامة أن لا يكون المتقدم للتعيين قد حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية بسبب ارتكابه جريمة قانون الخدمة المدنية اليمني رقم (19) لعام 1991م حيث نصت لائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 22 لسنة 1992م في إحدى موادها وهي المادة رقم 30 الخاصة بشروط التعيين في الوظيفة العامة في الفقرة رقم 7 على أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة قيد الحرية في جريمة تخل بالشرف أو الأمانة كالرشوة والاختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها ما لم يكن رد إليه اعتباره.
فأخلاقيات الوظيفة العامة تعني مجموعة القيم الدينية والقواعد الأخلاقية الضرورية للاتجاهات والسلوكيات الجيدة للموظف العام لحماية هيبة وكرامة الوظيفة العامة وعند وضع هذه الأخلاقيات قواعد قانونية ملزمة فإن أي انحراف عنها يعتبر جريمة من المنظور القانوني لأنه يمثل اعتداء وتعطيلا للمصلحة العامة والتي يحميها قانون عام يهدف إلى ضمان سير عمل المرافق العامة ومن جانب آخر يمثل هذا الانحراف تشويها لإدارة الحكومة ويبعدها عن غايتها النبيلة أي المصلحة العامة.
فأخلاقيات الوظيفة العامة تشكل ضمانا لتصرف الموظف العام في إنجاز مهامه على أساس الموضوعية والنزاهة وبدون تمييز أو تحيز لأحد المنتفعين وفقا لما توجهه المسؤولية الأخلاقية والقانونية.
لكن في اليمن العزيز يمكن القول إن تدني الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة يمثل أحد الأسباب الهامة المساعدة على انتشار