محادثة مع الروائي البريطاني بول توردي
وجدي الأهدل

حلت الظهيرة وبدأت بطوننا تتضور جوعا فقررنا الذهاب إلى سوق السمك. كنا أربعة من كتاب القصة والرواية تجمعنا لقاءات شبه يومية. في ذلك النهار اخترنا سمكة تزن ثلاثة كيلوغرامات واتجهنا إلى مطعمنا المفضل ليشوي لنا سمكتنا ذات العينين الذهبيتين. قبل أن ننتهي من وجبتنا تلقى أحدنا اتصالا وبعد دردشة طويلة أغلق الخط وأعلن أن هناك روائيا بريطانيا يدعى (بول توردي) يود أن يلتقي بنا في المساء. تشاورنا بشأن العودة إلى بيوتنا ثم الحضور إلى مكان اللقاء قلت لهم إن علينا ارتداء ملابس جديدة لأن الملابس التي فوقنا قد علقت بها رائحة السمك. قال لنا صديقنا الذي تلقى الاتصال: “لا تقلقوا من هذه الناحية.. لأن هذا الإنجليزي كما قيل مولع بكتابة روايات عن الأسماك”. كانت هذه حجة مقنعة بل وبدا لنا في تلك اللحظة أنه من الضروري إذا أردت أن تقابل روائيا إنجليزيا تخصصه الدقيق هو كتابة روايات عن الأسماك أن تأكل سمكة ملكية وتعطر ملابسك برائحتها ثم تذهب لتجاذب أطراف الحديث معه!
تابعنا روتيننا اليومي وقضينا فترة العصر في المقهى. بعد المغرب ذهبنا إلى نادي (ه) ونحن نتمازح بشأن اللقاء مع ذلك الروائي البرمائي! وجدنا أربعة أشخاص في انتظارنا: بول توردي وزوجته ومديرة المجلس الثقافي البريطاني ومترجم يمني علمت منه فيما بعد أنه يطمح إلى كتابة رواية باللغة الإنجليزية.
بدا لي (بول توردي) كهلا متوسط القامة أبيض شاحب البشرة له مظهر ولد في مدرسة ابتدائية نظراته طفولية وعيناه فضوليتان تشعان دفئا وفيهما ذلك البريق النادر الذي يعتبر البشر أينما وجدوا من طينة خيرة.
بعد تعارف سريع علمنا أن (بول توردي) قد جاء لزيارة اليمن بدعوة خاصة من وزير الثقافة اليمني والمجلس الثقافي البريطاني. وكان برنامج الزيارة يتضمن محاضرة في جامعة صنعاء ولقاء مع كتاب وروائيين يمنيين ورحلة خاطفة لنهار واحد إلى جبال حراز التي تخيل أن أحداث روايته تدور فيها.
طلبنا منه أن يحدثنا عن روايته “صيد السلمون في اليمن”. فقال إنها روايته الأولى وصدرت في أوائل عامنا ذاك (2007) وتتحدث عن عالöم في مجال مصايد الأسماك يعمل موظفا لدى الحكومة البريطانية ثم تتغير حياته فجأة عندما يتصلون به من عشرة داوننج ستريت – مقر رئيس الوزراء البريطاني- طالبين منه الانضمام فورا إلى مشروع استزراع سمك السلمون في أحد أودية اليمن بهدف تشجيع رياضة صيد سمك السلمون هناك! وكان يمول المشروع الخيالي شيخ يمني ثري. وتحت الضغط والتهديد بالفصل يوافق العالöم على العمل في المشروع. تمضي شهور من العمل الدءوب والنفقات الضخمة وتحين لحظة الافتتاح فيحضر رئيس الوزراء البريطاني والشيخ اليمني ومعهما صنارتي صيد.. إلا أن المشروع ينتهي بنهاية كارثية عندما يشتد السيل فيجرفهما ويغرقان.
كان من الواضح أن الرواية تحمل معنى مجازيا فسألناه إن كان يعني أن البلاد العربية الجافة ليست صالحة لتلقي الحضارة الغربية¿ وأن أية محاولة للتنوير سيكون مصيرها الفشل المحتوم¿ أخذ (بول توردي) وقتا قبل أن يجيب وراح يفكر. طلبت زوجته الإذن بتدخين سيجارة فلم نعترض. قال (بول توردي) إنه لم يقصد المعنى الذي فهمناه وإنما قصد المعنى السياسي أي أن تتجنب بلاده الصراعات في منطقة الشرق الأوسط مستشهدا بالتدخل البريطاني الفاشل في العراق.
سألناه كيف أمكنه كتابة رواية تدور أحداثها في اليمن وهو لم يسبق له أبدا زيارة اليمن¿ بدا محرجا جدا حين أثرنا هذه النقطة وهو إحراج يحسب لصالحه فأن يتصبب عرقا وقد أنجز واحدة من الروائع الروائية لدليل على توقيره الشديد للأدب وأنه لا يتعامل مع التأليف الأدبي بخفة ولامبالاة. ظهرت ابتسامة متوترة على زوجته التي ضيقتú عينيها وكأنها تقول لنا: “لن تتمكنوا من الإيقاع بزوجي بصنانيركم القصيرة!”. أجاب (بول توردي) بأنه قد زار الشرق الأوسط كثيرا وأنه اعتمد في كتابته للرواية على رحلة قام بها إلى المرتفعات الجبلية في عمان. سألناه عن مبيعات روايته فقال إنها تبيع جيدا وصدرت منها عدة طبعات في فترة زمنية قصيرة قال إن هذا نجاح لم يتوقعه لا هو ولا حتى أي شخص قرأ الرواية قبل أن تطبع. في السنوات اللاحقة سوف تترجم الرواية إلى أكثر من ثلاثين لغة من بينها اللغة العربية حيث ترجمها إلى العربية الشاعر اليمني عبدالوهاب المقالح وصدرت عن وزارة الثقافة اليمنية وكذلك سوف يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي حقق نجاحا كبيرا ووصل إلى الترتيب السابع في قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة الأمريكية وهو من بطولة يوان ماكغريغور وإميلي بلانت والمصري عمرو واكد وكتب السيناريو والحوار سيمون بوفوي.
تطرق الحديث إلى “التابو” وكان مهتما بسؤالنا عن مشاكلنا مع الرقابة وهل مساحة “الحرية” الم