صورة الشخصية المستلبة في رواية (الثائر) للغربي عمران

علي أحمد عبده قاسم

● تشكل الرواية عالما خاصا زاخرا بالرؤى الكاشفة لعالم الواقع وعالم الرواية بصورة الواقع بطريقته الخاصة التي تفوق أحيانا الواقع لجرأة الطرح ومعالجة الفكرة التي تدور حولها الرواية لتقدم نماذج مدهشة ومثيرة بأسلوب فني رفيع المستوى مما جعل هذا الجنس الأدبي يحوز على قصب السبق في المرحلة المعاصرة من تاريخ الأدب.
وإذا كان الروائي اليمني محمد الغربي عمران قد قدم للمكتبة الإبداعية ثلاثة من الروايات كان أولها «مصحف أحمر» والتي طرقت مسكوتات صادمة لم يتطرق إليها البعض كان أبرزها المسكوتات مناقشة مجالات التخلف المتوارثة في التاريخ اليمني كالقبيلة والشيخ وثاني تلك الروايات «ظلمة يائيل» والتي أخذ منها جانب التهميش والإلغاء حيزا كبيرا وآخرها كانت رواية «الثائر» وهي لا تختلف في عالمها عن عالم الروايتين السابقتين إلا هذه الرواية امتد فيها رؤية الشخصية المهمشة.
ولعلي في هذه القراءة سأدرس هذا الجانب حيث عكسته الرواية في كثير من أحداثها ففي شخصية «شيزان» الذي يعتبر بطل الرواية مثل الشخصية المتشردة المعذبة التي فرض عليها التعسف والظلم والتشرد والضياع والتمرد مما أفضى إلى عدم الشعور بالذات وعدم الاستقرار وحتى امتلاك الحرية ن فر طفلا من قريته بعد أن حطم منزلهم وهجر أمه وإخوانه بوشاية الشيخ وهنا معاناة الطفل شيزان حيث يقول: ((… لي أب اقتاده عسكر عامل الإمام في ليلة مظلمة لم يصطحب حماره تلك المرة وهو الذي يتنقل به عارضا سلعه من بهارات وملح بين سكان القرى المجاورة لقريتنا ننتظر وأمه في كل حين وكنت أواصل سفري كل سبت إلى قرية لأتعلم القرآن عند فقيهها أعود إلى أمي نهاية كل خميس كان لي زملاء نذهب ونعود سويا من قريتنا لي أخوات أكبرنا ولد… في آخر يوم عدت إلى قريتنا بدت لنا زاهية تحت شمس الغروب دورها بهية نتسابق وزملائي للوصول إلى أطرافها نصعد سفوحها أمني نفسي بأحضان أمي رائحتها خبزها صوتها حين تحتضني يردد «يا قمر قميرة» فأردد «قميرة» فتردد «يا سراج الليلة» فأردد عليها «الليلة» فتعاود تهزني «طربنا سرب الحمام» فأكمل أنا «سرب الحمام» فتواصل «يا قمر صنعاء ويا أحلى قمر يا ضياء القلب يا نور البصر».. كانت الشمس تحتضر حين اقتربت وزملائي من أطراف القرية صادفنا رعيانا يسوقون أغنامهم يشيرون إلى بحذر وهم يتهامسون لم أهتم بادئ الأمر تفرقنا أسير معلقا خباء «قرآني» تكررت نظرات من أصادفهم تحاشيهم إياي أثار في نفسي تساؤلات شققت طريقتي متجاهلا كل من أصادفه اقتربت من منزلنا صدمني منظر لم أتخيله قط وقفت مذهولا أمام بيت لا يشبه بيتنا يتصاعد دخان تبعثره الرياح جدرانه مهدمة دون سقوف… أخذتني جارة أمي وعيناها تهتز انفجرت باكية… قالت لي: إن أبناء الشيخ أخذوا يجمعون سكان القرية يهمسون في مسامع الرجال أن رجالا يباتون في حضنها زورا وبهتانا وليلة البارحة خرج سكان القرية بفوانيسهم ومعاولهم أمام بيتكم مهددين سرت شائعة أن الرجال قد خرجوا من عندها والبعض وقفت محرضا طهروا القرية من الزانية جاءتني قبل التهديم أن هناك من يقرع نوافذها ليلا)) ص87 88.
من خلال ما سبق وحتى تتضح مأساة الشخصية يتضح للقارئ مقدار المعاناة التي تتحملها الشخصية «شيزان» منذ نعومة أظافره منذ البراءة فوالده خرج من البيت ولم يعد وعائلته تهجر وتنفى من القرية بعد تهديكم ودق المنزل إلى وطن مجهول ليرتد للقارئ حجم الاستلاب من القوي للضعيف فهو استلاب للحق بالحياة استلاب للجمال من خلال السرد خاصة وإن تعلق الأم بإبنها وتعلق الطفل يعكس صورة للطهر والجمال العميق اللذين تجذرا في الذات الحالمة بالاستقرار.
ولقد تمكن الوصف الروائي من تعميق المأساة والمكابدة في المتلقي والتعاطف الشديد معه من خلال استلاب الحق بالاستقرار والتنعم بالأنس والجمال لتكون الشخصية المستلبة ا لتي حرمت حق التواصل مع علاقاته الروحية المتمثلة بالأسرة وعلاقته بالمحيط المادي القرية وجمالها مما سيفضي إلى حالة من الانفصال والتمزق والإحباط ليتواجد الضياع ويتحول من إنسان منطلق سعيد إلى شخصية مشردة وتحولات الشخصية من حالة الطمأنينة إلى شخصية محبطة تعاني الصراع مما يعكس أن الشخصية تحولت إلى فريسة للاستلاب والتخلف الاجتماعي والسياسي فاستلب منها العطف والحنان والاستقرار ويتضح ذلك من خلال التيه في الأرض في البحث عن العائلة بوجه الطفولة البريء فهذه بائعة اللبن والخبز في سوق الملح تنظر إليه بشفقة حيث يقول «قادني جوعي لأجلس حيث أشارت أخذت أقضم كسرة الخبز بنهم أخذت بكفها تجلس شعري أين بيتكم¿ كان سؤالها غريبا¿ بالنسبة لي لاحظت ارتباكي: أين أهلك¿! لم أجد الجواب.. فاضت عيناي وقد أخفيت وجهي قادتني إلى دكان مجاور قالت لي: هذا خالي «الأسطى» وهذا دكانه يمكنك أن تأتي صباح كل يوم لمعاونته» ص98.
مما سبق يستطيع القارئ أن

قد يعجبك ايضا