قراءة في المميزات الغرائبية في “رواية الواحد”
علي أحمد عبده قاسم

إنها واحدة من الروايات اليمنية المثيرة بل إنها رواية الواقعية السحرية بكل المقاييس بوصفها تجعل المتلقي مترددا بين الحقيقة والخيال بين الواقع والمجاز رواية فنتازية تأخذ العلمية والفلسفة منهجا والذي يميزها الحوار العلمي والفلسفي الذي يعكس ثقافة الكاتب ليس فحسب إنها رواية ترقى لأن تكون جدلية ومربكة للمتلقي والفهم إنها رواية من نوع جديد تأتي إضافة للرواية اليمنية وتأتي من روائي شاب لم يتجاوز العشرينيات من عمره فإنها بذلك تبشر بروائي قادم يقتحم المشهد السردي بقوة هو الشاب طلال قاسم القادم من مدينة إب الخضراء برواية تشبه أفلام الخيال العلمي وترتبط بالواقع.
وإذا كنت في هذه القراءة سأتناول جدلية الغرائبية باعتبار الرواية تحكي حلم شاب (جاك) وهو الشخصية الرئيسة فيها تتقمص شخصية غرائبية جدلية تحمل قدرات الإنسان الهائلة التأثير على الكون وقدرتها على استيعاب الثقافات والعلم فكانت شخصية «جاك» إبراهيم» معادلا رمزيا لكل إنسان في العالم باعتبارها كينونة مطلقة للإنسان فهي تحمل سمات المخترعين والمؤثرين والعباقرة إنها ذات تختزل قدرات الإنسان عبر الزمن كله.
وسأبدأ بقراءة العنوان «الواحد» فإن الواحد في حالة العدد له ثان وثالث وكثير من الأشباه ليشير إلى الإنسان المتناسل والواحد قد يتعدد ويتكاثر بطريقة ما وقد يعتريه التغير والتبدل والتبدد لأنه واحد وقد يكون للواحد أشباه لكنه ليس «أحد» فإن الأحد هو الله فقط سبحانه ولا يتصف بها غيره لكن الواحد يتصف به الإنسان والحيوان فتقول: كتاب واحد وغير ذلك والواحد تشير إلى واحدية الإنسان عموما بغض النظر عن فكره ولغته.
وفي القراءة سأتناول الشيء الجديد في الرواية بوصف ذلك أمرا وخطوة جديدة ويتمثل بالغرابة والعجائبية التي تأخذ المتلقي في عالم الواقع والخيال عالم الانفصال والتوحد فقد ظهرت في القصة شخصيات غريبة عجيبة لعل أبرزها «جاك إبراهيم» وهذه الشخصية التي تحمل الشخصية الإنجليزية المولودة في بيت وأسرة بريطانية لكنها تشعر فجأة أنها ليست تلك الشخصية بل إنها شخصية عربية يمنية لها أولاد وأسرة وظلت الجدلية الحلمية في الرواية منطلقة من الشخصية المتشظية واستطاعت الرواية أن ترسم آثارها وحبكتها من خلال هذه الثنائية الجدلية ولعل الغرابة اتصفت ببعض المميزات وهي:
الاضطراب الوجداني سواء كان نحو العالم أو العواطف أو الشخصيات التي هي حوله بحيث يظهر العالم جامد ومتبلد وغير متقد عاطفيا «كان إبراهيم يشعر بألفة كبيرة وإحساس جميل وبهيج وهن يتكلمن عن توني – لكن كان توني شخصا غريبا وغير متكلف بما فيه الكفاية ليشعر برغبة في رؤيته» ص70.
مما سبق يمكن القول لذلك تظهر الغرابة من تناقض الوحشية والأنس سواء كان مع المحيط المادي أو المحيط الإنساني وهذا اختلال بالشعور بالواقع الخارجي نفسه لذلك يقول إبراهيم الذي هو (جاك) أنه لا يدرك حالته «أشعر أني أحلم وإن كل ما يحدث معي ليس إلا مجرد حلم وسأستيقظ منه في النهاية».
إذا كانت الرواية تتحدث بشكل فنتازي عن الواقع والحياة بشكل مثير فإنها ترغب أن تقدم نوعا من الهدم للواقع حتى للمشاعر لتكون الغرابة شاملة حتى للمشاعر فهذه شخصية «سارا» التي تحب جاك والتي تحبه كثيرا تأتي إليه وتقبله لكنه يقول حين قبلته «لماذا فعلت سارا ذلك¿ هل كنت أكن لها مشاعر الحب»¿
حاولت الرواية أن تعكس للقارئ ما يسمى «الإحساس المتحول بالزمن» أي اضطراب وتشوه الإدراك بالزمن كشكوى متكررة فهذه شخصية جاك الذي هو يحمل أيضا شخصية إبراهيم يعيش في حلم زمنين الواقع الغريب الذي يعيش فيه وهي أسرته في بريطانيا «لندن» وفي أعماقه يعيش في وسط أسرة يمنية عربية فهذا الدكتور كاترد هو الذي يقوم بمعالجة إبراهيم «جاك» يعرض عليه مجموعة من الصور وهو من بين الشخصيات المصورة ويسأله عنها «إني أرى صوري هنا في أعمار مختلفة حتى صوري في أثناء الطفولة رغم أني لا أتذكر كثيرا طفولتي ولم يكن لدي الكثير من الصور كهذه إلا أن هذه الصور تشعرني وبقوة إنها لي» ص80.
من خلال السرد يلحظ القارئ أن النص يعكس الاضطراب النفسي لعدم الإحساس بالذات وبالزمن ونسيان الماضي والانسلاخ من الواقع إلى واقع عجائبي ترمي الرواية من خلال ذلك إظهار لمحة عن الآخر وحياته أو أنها الشخصية مترددة ما بين الواقع الغربي المضطرب والحياة العربية المتخلفة لأن النص يردف في هذا المشهد ما السرد التالي فيقول جاك «إبراهيم» عن الحياة العربية «أنا لم أحظ في حياتي بعيد ميلاد ولأسباب كثيرة منها: أني ولدت في عائلة بسيطة حد الخواء والجهل حتى إني لم أكن أعرف تاريخ ميلادي الحقيقي وأبي أيضا لم يكن يعرف… عندنا الإنسان يولد في تاريخ مجهول ويموت في تاريخ مجهول» ص81.
مما سبق يمكن القول أن السرد يحاول المقارنة بين الواقع العربي والآخر