أيها المسرح سنرميك في البحر!
*وجدي الأهدل.
يبدو المسرح في اليمن كغريب دخل قرية فلم يجد من يضيفه .. ورغم أنه يحظى بسمعة طيبة في كل مكان إلا أنه في هذه القرية قوبل بالتجاهل والازدراء ولم يجد أحدا يرغب في أن يفتح له باب بيته ليطعمه ويؤويه.
إن لب المشكلة أن المسرحيين اليمنيين لا يملكون مسرحا خاصا بهم. إنهم بلا بيت. مشردون لا يعلمون إلى أين تنتهي بهم الطرقات وحلمهم الأوحد أن يظلهم سقف لا يشاركهم أحد فيه.
تملك الدولة قاعات صالحة للعروض المسرحية ولكنها ليست ملكا للمسرحيين ولا تفتح لهم إلا في النادر وبمشقة وبعد إنجاز معاملات بيروقراطية تقتل حماس الفيل إذا كان راغبا في التمثيل!
وغالبا ما تكون هذه القاعات مشغولة بأنشطة أخرى. كما أن القائمين على هذه القاعات هم من الإداريين الذين يرون أن لمؤسستهم أو وزارتهم الحق الكامل في الاستحواذ على هذه القاعات ولو أدى ذلك إلى حرمان المسرحيين من الانتفاع بها.
ونعلم أن بعض هذه القاعات المملوكة للدولة قد تمر عليها سنوات طويلة دون أن تقدم على خشبتها ولا حتى عرض مسرحي واحد.
يشعر المسرحيون في اليمن بالظلم والمرارة لأن هذه القاعات مغلقة في وجوههم ولا تفتح أبوابها لهم مع يقينهم بأنها ليست ملكية خاصة بل ملكا للقطاع العام وهو ما يعني أنهم شركاء فيها باعتبارهم مواطنين من أهل البلد ولهم فيها حق يضعهم على قدم المساواة مع أكبر مسئول في الدولة.
لا يربح المسرحيون اليمنيون ما يكفي من المال ليبنوا لأنفسهم مسرحا فهم بالكاد يوفرون لقمة العيش فكيف نطلب من متشرد عاطل عن العمل أن يجمع ثروة ويشيد لنفسه بيتا¿! وإذا فكرنا في القطاع الخاص فإنني سأكتم ضحكاتي لأن هذا القطاع الأناني لم يقدم شيئا يذكر للتعليم أو الصحة فكيف نتوقع منه أن يبني مسرحا لتثقيف الشعب¿¿
ذكر المخرج والممثل الروسي العظيم (قسطنطين ستانسلافسكي) أن محرك النهضة المسرحية في روسيا في القرن التاسع عشر هي هبات الأثرياء الروس السخية للمسرح الروسي وأن أحدهم بنى مسرحا فخما وأهداه للمسرحيين.
هل كان من الممكن أن يبزغ نجم ستانسلافسكي كواحد من أفضل المخرجين والممثلين في العالم لولا وجود حركة مسرحية عظيمة في روسيا¿ وهل كنا سنسمع عن المؤلف المسرحي العبقري (أنطوان تشيخوف) لولا وجود مسارح تعج بالمتفرجين¿!
إن الخطوة الأولى التي ينبغي القيام بها لإخراج المسرح اليمني من حالة الموات التي يمر بها هي تأسيس “دار الفنون المسرحية” وأن تعود ملكية هذا المسرح إلى المسرحيين اليمنيين وأن يكون لهم الحق في إدارته بأنفسهم ووضع برنامج للعروض المسرحية على مدار السنة وكل أيام السنة دون توقف وأن تصبح العائدات المالية من شباك التذاكر والإعلانات وشركات الرعاية حقا صافيا لهم ومصدرا حرا للدخل غير المشروط فيتحقق للمسرحيين اليمنيين حلم حياتهم وهو أن يجنوا الأرباح الوفيرة من مزاولة الفن الذي يعشقونه ويكرسون له أعمارهم.
لابد للمسرحيين من أرضية صلبة ينطلقون منها وهذه الأرضية هي “دار الفنون المسرحية” والتي ينبغي أن تتضافر جهود المؤسسات الرسمية مع الجهات المانحة لإنجاز هذا المشروع الثقافي الاستراتيجي.
بدون تحقيق هذا المشروع على أرض الواقع فإنه من العبث أن نفكر في حدوث نهضة مسرحية في اليمن. إذا استمر هذا الوضع على حاله وظل المسرحيون اليمنيون بلا مسرح فإن الشعب بأكمله سيكون متهما بالتقصير وإهمال الرسالة الأخلاقية والروحية لفن المسرح.