قيمة أن تكون سياسيا
فتحي الشرماني
نحن اليوم في أزمة حقيقية قد تكون أكثر وقعا وتأثيرا في النفوس مما حدث في 2011م .. هناك منطق القوة الذي يريد أن يفرض نفسه, إن لم يكن بديلا لمنطق العمل السياسي والمدني, فندا له وموازيا أو ممتزجا به لتمييعه ..السلاح يستهوي اليوم كل من لايزال مأسورا بالماضي.. وحمل السلاح يذكي هذه النزعات ويأخذ عقول أصحابها في غيبوبة طويلة تجعلهم يرون أن لا طريق إلى الحياة إلا بالحرب, منذ أشهر عديدة تعرض الوطن لخضات عنيفة أخذت شكل صراعات وأهوال أريقت فيها الدماء وتهجر فيها الآلاف من مساكنهم .. فهل كانت النخب السياسية والثقافية تدرك أن هذا الانهيار المتواصل لقيم الأخوة والمحبة والسلام والصدق سيخلق نتائج كارثية خطيرة على مستقبل الإنسان في هذا الوطن¿ لماذا لا تخلق هذه النخب فعلا سياسيا تستطيع به أن تنقذ المستقبل من شبح العنف وما يتسبب به من ثارات وأحقاد¿.
صحيح أن الأوضاع انفجرت في 2011م وكان الصراع يتجه كل يوم نحو مزيد من الخطورة, لكن لا يستطيع أحد أن ينكر أن في ذلك الحين كانت هناك عملية سياسية على الرغم من استشراء العنف وحدوث الانشقاقات.
كان للسياسة كلمتها التي لم تترك الصراع وحيدا والمتصارعين يأكلون بعضهم بعضا ..وأنتم ترون كيف أن النخب السياسية وعت مسؤوليتها آنذاك, واكتشفت هويتها السياسية في اختبار صعب استطاعت أن تنجح فيه بتمكنها من الدخول في تسوية مناسبة فرح الناس بها بعد يأس, بل وكل يوم يزدادون فرحا بها إلى يومنا هذا لأنها تحقق المكاسب تلو المكاسب.. الجيش يغادر مرحلة الانقسام والولاءات الفردية .. كل القوى تدخل في حوار شامل يصنع حلولا للمشكلات ويرسم برنامجا للمستقبل .. القوى السياسية تتشارك في تحمل مسؤولية هذا الانتقال .. تلك الجدران الفولاذية التي كانت تحول بين القضية الجنوبية والحلول تزداد ذوبانا كل يوم, وتضمحل تلك النزعات المناطقية والجهوية التي كانت قوى الشر تحاول إذكاءها, حتى أثبت إخواننا في المحافظات الجنوبية للعالم كله أنهم أساتذة في المدنية والتحضر والسلام, وسيظلون كذلك لأن هذه القيم هي فطرة الله التي فطرهم عليها.
هذه هي السياسة, تدفع عجلة الوطن إلى الأمام وإن توعرت الطريق .. لا يحصل معها انسداد في مجرى النهر وإن تضايقت مساحة الجريان .. فالعقل والمنطق واستشعار الضمير والمسؤولية التاريخية تجعل كل من يمارس السياسة يدرك قيمتها, ويدرك مدى ضآلة وعبثية ما عداها من وسائل للقفز عليها بمنطق الإرهاب أو بمنطق التخريب وفتح جبهات للحروب.
أنت تريد الحرب, إذن أنت لا تريد سياسة, وكأنك تتناسى أن عجلة الوطن لا يدفعها إلى الأمام غير محرك السياسة .. تذكر أن البديل لها دائما في أي مكان وفي أي زمن هو الفوضى, والاقتتال, وعودة المجتمع إلى ما قبل الدولة.
أنت تكرس منطق القوة, إذن أنت قصير نظر, وتريد أن تشيخ مبكرا لأنك تستنفد طاقاتك وتستنزف قواك, وتعاني نقصا في فيتامين السياسة, وإن تبين لك أن عضلاتك تزداد نموا.
فهل أدركت ذلك يا من تحمل السلاح¿