حين قال المرشöدöي: ما ادونيهاش!!
يكتبها: علي أحمد بارجاء
كان الحديث بيني وبين صحبي ذا شجون, وحين يكون الحديث ذا شجون فإنه يأخذك إلى أودية وشعاب شتى, تهيم فيها وتتوه فلا تستطيع العودة لتذكر بداية السبيل التي انسقت فيها لتصل إلى ما وصلت إليه. كنا نتحدث في الوعد وإنجازه, ساقنا انسياب الحديث إلى مطرب اليمن الكبير (محمد مرشد ناجي) ـ رحمه الله ـ الذي وافاه الأجل في السابع من فبراير من العام الماضي.
في سياق سرد قصص خلف الوعود, قال أحدهم: عندما مرض الفنان المرشدي, ثم استعاد صحته ظهر في لقاء تلفزيوني في قناة يمنية, ربما في الفضائية اليمنية أو في قناة عدن. في الحوار مع المرشدي, سأله محاوره: هل قدمت لك الدولة مساعدة للعلاج¿ ـ لأنه من أبرز رواد الغناء اليمني طبعا, وأفنى حياته في خدمته ـ فكان جواب المرشدي: ((الرئيس وجه لي بثلاثة ملايين ريال لكنهم ما ادونöيهاش)).
كان جواب المرشدي صادما لكل من يشاهد اللقاء. ولابد أن من سمع هذا الجواب قد انتابه الأسف والحزن. وتساءل في نفسه, وربما صرح بهذا التساؤل لمن حوله: إذا كان المرشدي بجلال قدره, ورفيع مكانته, لم يحصل على هذا المبلغ الهزيل ليستعين به في العلاج فكيف سيكون الحال إذا كان مجرد مواطن مغمور من أبناء هذا الوطن¿ هل حدث هذا من باب العدالة والمساواة في أن المشهور والمغمور, والكبير والصغير, والغني والفقير, سواسية كأسنان المشط في نظر الدولة فلا تصرöف لأحد منهم كائنا من كان ريالا واحدا مساعدة مهما استحقها, ومهما كان منصب من أمر بها في الدولة.
جواب الفنان المرشدي هذا يثير قضية في غاية الأهمية تتصل بموقف الدولة من مبدعيها في العلوم والآداب والفنون, وما يحصلون عليه من تقدير واحترام ورعاية لأنهم هم من يرسمون الوجه العلمي والثقافي والحضاري للوطن. فهم يستحقون بجدارة, ولا ينبغي أن يكون ما تمنحه الدولة لهم شفقة منها بهم, ولا أن يتبعه من أو أذى. إنهم ليسوا كغيرهم, بل إنهم مختلفون. فلا يمكن قياسهم بالمغمورين الذين لم تعرف الدولة أسماءهم. ولا يمكن قياسهم بالمقربين من شيوخ وغير شيوخ الذين يستحوذون على المبالغ الطائلة من الدولة كهبات ومساعدات يستقوون بها ضد الدولة نفسها حتى ظنوا أن ما يمنح لهم هو حق من حقوقهم, إن توقف أو منöع تمردوا وثاروا فمارسوا أعمالا ضدها, فاختطفوا الأجانب, وقطعوا الطريق. لأن أعمالا كهذه أصبحت مجالا سهلا من مجالات الكسب يدر عليهم أموالا طائلة مقابل تسليم المخطوفين, أو فتح الطرق, بعد أن توقف القانون عن عقابهم جزاء لما اقترفوا من أعمال تدخل في باب الحرابة.
الإنسان يعد ويخلف, والله يتكفل به, فيحاسبه على إخلافه, ويتخذ الناس من مخلف الوعد موقفا, ولكن الدولة من يحاسبها¿ كم وعدتنا الدولة, أو قل المسؤولون في الدولة وعودا خلابة, ولكن لم ينجز من هذه الوعود شئ, المهم أنها جعلتنا نعيش حلم الابتهاج بالوعود, وكأنما قالت لنا بلسانها الفصيح: تكفيكم لذة الإحساس بحلاوة حلم تحقق الوعود!
ليت الدولة الموقرة أنجزتنا ما تعöد, وليتها استبدت مرة واحدة, ولم تكن عاجزة عن الاستبداد حتى بمن جعلها فقيرة إلى حد لم تعد فيه قادرة على أن تكرöم مبدعيها, وتطعم فقراءها.