الحكومة والآليات المفقودة
حسين محمد ناصر
حسنا فعل بعض الوزراء نهاية الأسبوع الماضي عندما تصدروا الموقف الذي أعقب صدور قرار الحكومة الأخير الخاص برفع الدعم عن أسعار الوقود كان الأول محمد ناصر أحمد وزير الدفاع الذي أدلى بتصريح من أحد المعسكرات وهو يزور أفراده تطرق فيه إلى أهمية قرار الحكومة وانعكاسه على الصعيد الاقتصادي في المستقبل وتلاه وزيرا النقل والاتصالات فتحدثا عن انعكاسات القرار على شؤون وزاراتيهما!
في وقت غاب فيه وزارء من المهم والضروري سماع تطميناتهم للناس فيما يخص عمل مؤسساتهم وخدماتها المرتبطة بشكل وثيق بمصالح المواطنين!!
في مصر اتخذت الحكومة إجراءات مشابهة لإجراءات حكومة بلادنا ورفعت أسعار الوقود في ظل أزمة معروفة هناك وصراع سياسي شاعت أخباره منذ فترة بدأ يهدأ بانتخابات رئاسية وصعود السيسي إلى سدة الحكم.
ولأنها تدرك تأثير هكذا قرار على حياة العامة وبالذات الطبقات الفقيرة وعلاقته بكل مناحي الاقتصاد ومعيشة الشعب ولأن الوزراء يدركون أهمية ما يقدمون عليه في اجتماعهم الدوري فقد بدأ كل منهم بعقد سلسلة اجتماعات مع مرؤوسيهم في الدوائر والمؤسسات والمكاتب لمناقشة كيفية ضبط واحتواء نتائج القرار على طبيعة خدمات كل وزارة ولم يتم اتحاد القرار إلا بعد التأمين التام له والاستعداد لأي إفرازات سلبية ربما تأتي من أصحاب المصالح والشركات والتجار سواء برفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه أو إخفائها أو زيادة المبالغ الخاصة بحركة المواصلات.
أحد وزرائهم عندما استضيف في برنامج تلفزيوني ليتحدث حول الشكاوى والغضب الذي ساد الشارع المصري عقب الساعات الأولى للقرار أوضح بشكل علمي ومدروس الزيادة التي يفترض أن تكون على صعيد تذكرة النقل في وسائل المواصلات وفقا لنسب مئوية وضعت وحددت سلفا وكذا الحال في المجالات الأخرى وأوضح وزير آخر أن لا زيادة ملحوظة ستطرأ على صعيد أسعار خدمات وزارته وتوالى ظهور الوزراء هناك على شاشات الفضائيات ليوضحوا أهمية القرار ولماذا اتخذ وكيف سيتم صرف المبالغ الموفرة مستقبلا وماذا عملوا من خطط وبرامج لمسايرة هذا القرار على صعيد وزاراتهم وكيف سيوفر كل وزير في ميزانية وزارته مبالغ لرفد الخزينة العامة ولكي يكون قدوة للمسؤولية في إطار وزاراته وفروعها ومؤسساتها!!
هكذا كانت إجراءاتهم السابقة واللاحقة لقرار رفع الدعم وهنا اكتفت مجموعة وزراء الحكومة بظهور ثلاثة منهم وبقي الآخرون يقضون عطلة العيد بهدوء وبمشاهدة انعكاسات قرارهم على الشارع دون مبادرة لتوضيح ما يخص وزاراتهم من هذا القرار.
لم نسمع أو نشاهد وزير التجارة مثلا وهو يلقي بيانا للناس ليقول كم يفترض أن تكون أسعار المواد الغذائية بعد هذا القرار¿! وما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في حال إقدام تجار جشعين على رفع الأسعار بصورة تتجاوز الحد المفترض أن تكون الوزارة قد حددته في اجتماعات مسبقة مع جهات الاختصاص للحيلولة دون حدوث انعكاسات سلبية في الشارع وبين الناس وكذا الحال بالنسبة للصحة والزراعة والكهرباء وغيرهم..
لم نشاهد الناطق أو المستشار وغير هذه المسميات وهي تهيء لهذا القرار وتستعرض دوافعه.. إيجابياته.. محاذيره.. وتدلل بالأرقام طبيعة ما تستقر إليه أوضاعنا الاقتصادية بعد عام أو عامين أو عشرة أعوام¿
أما على الصعيد الإعلامي فذلك بحاجة إلى حديث قادم فقد كنت أخشى أن أشاهد مذيعا في شارع ما يحمل الميكرفون بيده ويسأل أحد المواطنين عن شعوره حينا سمع قرار رفع الدعم!! وكنت أخشى أكثر أن يتم تجهيز أحدهم ليؤدي هذا الدور مع المذيع ليتحدث بإيجابية ومن القلب أيضا!!
* هامش:
قبيل سقوط نظام الرئيس صدام حسين كنت ذات يوم في مقر نقابة الصحفيين العراقيين ببغداد وكان عدي صدام هو رئيس النقابة ويدعونه بالأستاذ وفي مكتب أمين سر النقابة سمعته يطلب من سكرتارية محادثة أحد الوزراء وما هي إلا دقائق حتى كان الوزير على الخط الثاني ليقول له أمين السر ما معناه إن الأستاذ يرجو من الوزير التكرم بعد غد بالذهاب إلى مبنى التلفزيون ليوضح للناس أهمية قرار اتخذته القيادة الحزبية ثم تنتهي المحادثة ليتم بعدها طلب وزير آخر لموعد آخر وهكذا!!
ترى لماذا لا يتصل مكتب رئيس الوزراء في بلادنا أو المكتب المختص في الرئاسة بالوزراء من ذوي العلاقة والاختصاص كلما صدر قرار مهم أو توجيه رئاسي ليؤودوا دورا مساعدا لتسهيل استيعاب القرار عند الناس وشرح أهميته ليس بكلام إنشائي ولكن بالأرقام وبلغة مقنعة وصدق يبرز في التعبيرات والوجوه.
نعم آلية تنسيق برامج الحكومة ووزاراتها وإجراءاتها ما تزال مفقودة.