وامرح مع الأنغام
أحمد مهدي سالم
العيد أهزوجة حب, وترنيمة عشق, وانطلاقة حبور, وإشعاع فرح ينير ظلمات جدران النفس, وكسر محبب للاعتياد اليومي, وابتعاد ملطف عن المألوف الممل, والتفات مشفق وحنون إلى الأطفال فلذات الأكباد.
العيد سرقة مشروعة للحظات سعادة وارتياح, وقبض قهري على قبسات مرح من الزمن الظالم القاهر في غفلة منه لتشحن به بطارية نشاطك, وطاقة تجددك حتى تعاود الزحف المتقدم الواثق إلى حيث تمد يدك, وتنتهي أحلامك, وليس بالضرورة أن تحققها كلها, يكفي أن تقبض على بعض منها فتشعر بشيء من النشوة, وترنو إلى الفضاء ساخرا هازئا بالسحب والأعاصير والأنواء . كما فعل أبوالقاسم الشابي ذات مرة وهو يعاني آلام القلب في رائعته التي يقول في أولها:
سأعيش رغم الداء والأعداءö
كالنسر فوق القمة الشماءö
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا
بالسحب والأمطار والأنواءö
وما دام ذكرنا النسر ذهنك أكيد ذاهب إلى صاحبنا المرحوم علي السمة في أغنية معروفة من كلمات مطر الإرياني: فوق الجبل.. حيث وكر النسر فوق الجبل واقف بطل محتزم للنصر واقف بطل.
صحيح أن الحياة صعيبة, والعيد جاء في ظروف كسيحة, وأوضاع أليمة, في الأغلب الأعم, لكن ماذا سيعود عليك من التشكي والتبكي¿ ربما آلاف أو ملايين لم يتمكنوا من كسوة أولادهم, أو توفير اللحمة والصدمة بنواقص في رمضان, ومتطلبات العيد, وما بعد العيد.. لكن العيد عيد العافية, ولا تسمح بتسلل اليأس إلى دواخل نفسك.. انظر إلى حال الأهالي في غزة ونسائها وأطفالها وكهولها الذين لم يمر عليهم العيد, والسماء تمطر عليها في كل ساعة صواريخ قاتلة شهداء بالمئات والآلاف, وجرحى أكثر وبيت ومنشآت مهدمة, وكهرباء مقطوعة ادع لهم, وقل: الحمد لله, وستعود مصرا على رأيك, وتقول لي: بلا مزايدة العيد عذاب فأرد عليك بصوت القمندان: “المحبة عذاب..
من أصابه الله با يصاب
وأنت ليه يا زين بالتقلاب”.
أتخيلك متشائما متضايقا من الشوك الخفيف الذي وخزك عندما لمست الوردة غير أنك نسيت جمالها الفاتن, ونداها الرقراق, ورائحتها الزكية, وتراقصها المحبب مع النسيم العليل, وأراك تحيرني وتقهرني كمدا مثل صاحب الشاعر الشهير إيليا أبو ماضي الذي طالما أرهقه بكثرة تشاؤمه وملله وتبرمه في حين أن الجمال أمامه وتحت قدميه, وتحضرني مقولة لمفكر غربي مفادها أن الفرق بين المتشائم والمتفائل أن الأول يرى ضوءا في النفق ولا يصدق أو لا يقتنع بوجوده فلا يتحرك باتجاهه, والثاني عكسه تماما يمشي في ظلمة النفق ويتخيل أن هناك ضوءا موجودا مع أنه لا وجود حقيقي له, ولكنه يثق بحتمية ظهوره بين لحظة وأخرى.
ما أروع الفرح وهو يزاحم كوابح الضيق والاكتئاب والتشاؤم ليشق وثابا, طريقه نحو قلوب الصغار وزغاريدهم اللطيفة, وشقاوتهم البريئة عندها تسعد وتأمل من اليوم أن يتبعه غد يتحقق فيه الغرض والمقصد الأمل لنعض بالنواجذ على رسالة الأمل والاجتهاد, والمولى لن يخيب ظنون وآمال عباده ولا تحرم نفسك ولو بشيء محدود من فرحة العيد.
(إيماءة)
لنتآلف ونتعاون ونجتهد في إعلاء قيمة العمل كي يصبح يومنا أفضل من سابقه, وغدنا أجمل وترابطنا, أمتن, وتلاحمنا أقوى لنخرج, بأقل الخسائر من هجمات الأعاصير الربيعية العاتية التي هبت وتهب على وطننا الحبيب من المحيط الغائر إلى الخليج الثائر.
(آخر الكلام)
والإثم داء ليس يرجى برؤه
والبر برء ليس فيه معطب
والصدق يألفه اللبيب المرتجى
والكذب يألفه الدني الأخيب
“طرفة بن العبد”