عنقود من قصص هادفة
الغربي عمران

«إضمامة قصصية» هي باكورة أعمال الكاتبة أسماء عبد العزيز .. والصادرة عن دار سندباد في القاهرة.. 2014 في ثمانين صفحة تضم عشرين نصا تباينت بين القصة القصيرة والقصيرة جدا.
وحقيقة الأمر فقد انتظرنا هذا الإصدار كثيرا بعد نشر أول نص قصصي للكاتبة قبل أكثر من خمس سنوات.. لتقدم لنا في إصدارها الموسوم “تأسره كعادتها”
قد أكون عكس الكثيرين الذين يهتمون بعتبات الإصدار مثل لوحة الغلاف.. والعنوان.. والإهداء.. وأفضل التركيز على المضمون والبناء الفني لنص. كون لوحة الغلاف قد تتغير من طبعة إلى أخرى.. إضافة إلى أن معظم الأغلفة تقوم بتصميمها دور النشر وبشكل عشوائي. وكذلك الإهداء هو الآخر قد يلغى أو يتغير بين طبعة وأخرى.. عدى العنوان هو الباقي الوحيد في معظم الأحوال وإن تغير لدى بعض الكتاب على مستوى كل طبعة. إذا هو النص الذي علينا ألا نحيد عن الغوص فيه وتقديمه للقارئ العزيز.. من خلال ذائقتنا وشغفنا بالقراءة.
ومع إيماني بأهمية جميع عناصر القص إلا أني سأركز في مقاربتي هذه على بعض الملاحظات التي طفت على وجه عقلي أثناء القراءة.. كون النقد المعمق لا يمثل إضافة في أول إصدار لأي كاتب .. فالملاحظات في تصوري هي الأكثر إيجابية لتقديم النص للكاتب بصفته قارئ ومتلقي .. وللقارئ الكريم.
وتركيزي على الملاحظات واستنباطها أثناء قراءة نصوص هذه الإضمامة .. يأتي ضمن تذوقي للنص كقارئ وليس ككاتب.. فكثيرا ما يجذب القارئ ويلفت انتباهه شيء معين كما هو في هذه النصوص التي جاءت معظمها ذات نفس طويل.. وهذا ما يبشر بقدوم كاتبة ذات قدرات سردية متميزة .. إذ أن النصوص التي تأتي في نفس طويل ومتماسكة يحفها التشويق والإثارة.. ويظل الخط الرئيسي للأحداث في تنام رائع.. وذلك الصراع المتتالي ما يشد القارئ لمتابعة النص .. ومنها ذلك النص الذي اختارته القصة كعنوان رئيسي للإضمامة..
وملاحظة حول توزيع العناوين بين مفردة واحدة ومفردتين.. وكما نعرف بأن العنوان هو عتبة النص وهو المفضي إلى أعماق النص والمعبر عنه.. وحين تأتي تسعة نصوص بعناوين من مفردة واحدة..مثل : مرآة.. خادم.. معروف.. شبح.. جريمة.. تفاصيل.. بيتزا.. لحظة ..غياب. فذلك يعني بأن الكاتبة تميل إلى الإيجاز والمحو قدر الإمكان لتقدم لنا ما تريد في جمل موجزة تحمل ما تحمل من إيحاءات ومضامين .. وهذا بحد ذاته إبداع . أما العناوين التي تكون كل عنوان من مفردتين مثل: تأسره كعادتها.. ممنوع للغاية .. وبحسب النظام.. عرض وزير.. مشاعر كهربائية.. شارع الخوف.. شمس الحور.. دورة تدريبية .. قطع وسكر. فقد حاولت الكاتبة أن تقدم لنا صورا في تلك العناوين.. وتلك محاولة جيدة أن تأتي بصور شفيفة من خلال عناوين من مفردتين ,,وهذا ما يعكس تكثيف نصوصها.
والمتأمل سيجدها أيضا تتجاوز من البنى الفنية الجيدة إلى المضامين الهادفة.. وقد عالجت قضايا اجتماعية غاية في الحساسية.. وبلغة راقية بعيدا عن الإسهاب.. وهذا ما نسميه فن المحو.. أي أن الكاتب إذا ما أكمل صياغة نصه ..فأنه يأتي عليه في المراجعة بالممحاة ليمحو تلك الجمل الزائدة ويغير في صياغة بعضها..وكذلك يأتي ليبدل بعض المفردات ما يقدم نصا بالغ القوة وذات حساسية عالية.. يستمتع بقراءتها القارئ وهو يتابع مجريات أحداثه . وبذلك تتحقق له متعتين متعة فنيات اللغة ومتعة الأسلوب المشوق للصياغة ومتابعة الصراع المحتدم بين شخصيات النص.
والكاتبة جاءت بالمختلف في أسلوبها الصياغي من نص إلى آخر.. فتارة تأتي بعنقود حكائي ممتع كما هو في نص بعنوان”معروف” حين قدمت لنا تلك الحكايات المتتابعة بداخل النص في قالب من السخرية والخفة..وكأنها تقدم عنقودا من القص الداخلي المتتابع ونص “لحظة” الذي حولت كبينة الهاتف إلى عالم اجتماعي يتحدث الكل عن مشاعرهم وهمومهم ويتحول محل الهاتف إلى ملتقى للجميع.
وتارة تأتي لنا بنصوص مختلفة في سردها المتواصل لتسير الأحداث في خط مستقيم تصاعدي.. كما هو في نص “وبحسب النظام” و ” تفاصيل”و “جريمة” و “تأسرك كعادتها” تلك النصوص الفاضحة لدوائرنا الإدارية ومقدار ذلك الإهمال والإفساد الذي يمارسه الموظف في لا مبالاته وذلك الذي يتعمد إهانة المواطن المحتاج إلى توظيف.. وذلك المسؤول الذي يستغل وظيفته في غراميات عابرة للقارات.. هي نصوص صادمة فاضحة لتلك العلاقات غير السوية والممارسات المبتذلة التي تشير إلى خلل خطير في قيمنا الإنسانية وفي ذوقنا وتعاملنا الذي تشوبه العيوب وينذر بخلل وشروخ أخلاقية نتواطأ في ممارستها دون إحساس.
وقد تفرد نص”ممنوع للغاية” بقدرة الكاتبة على تقديم وحشية الإنسان في أقسى صورها حين تزهق أم جنينها لحظات إزعاجه لها بصراخه لحظات متعتها الجنسية.. هذا النص الذي لو لم تكتب أسماء إلا هو لكفى.. نص ينحت من قبحنا المخبوء في أعماقنا.. ليقدم تلك الأنانية الباردة والقاتلة التي نجاهد إخف