قضايا غذائية وأخلاقية
جميل مفرح
رمضان شهر كريم تتضاعف فيه العبادات ويتميز بالالتزام في أداء الفروض الدينية تجاه الله وتجاه الآخرين أيضا شهر تواصل ورحمة وتراحم بين البشر وإحسان حتى تجاه الذات هذا ما هو متعارف عليه وما ينبني عليه ميزة هذا الشهر دون سواه من أشهر السنة لدى المسلمين فضلا عن كونه متميز في طقوس الحياة والتزاور والأكل والاستهلاك وأكثر الأمور ملاحظة ونقدا من عام لآخر الاستهلاك في الأطعمة والمأكولات وأتذكر أن تقريرا نشر العام الماضي يشير إلى مليارات من الريالات التي تنفق في مواد استهلاكية فائضة عن الحاجة وأن ما يقارب 50% من ينفق عليه من المواد الاستهلاكية يتم التخلص منه كفائض عن الحاجة!!
* ومن هنا لا أدري لماذا لا نستطيع الجمع والموافقة بين كون هذا شهر شهر عبادة وبين عملية الترشيد في المصروفات والمستهلكات باعتبار أن التبذير واحدة من الصفات السلبية التي تتنافى مع قيم وسلوك الدين القويم!! فالتبذير الذي يحدث في سلوك وحياة الناس خلال شهر رمضان وبالذات خلال الأيام الأولى منه لو أجريت تجاهه إحصاءات وتقييم سيكشف أهوالا كبيرة تنافي حقيقة ما يتردد حول الأوضاع الاقتصادية الرديئة التي يواجهها أو يعانيها نسبة كبيرة من المواطنين والمتابع للقوة الشرائية في المواد الاستهلاكية بالذات في الأيام الأولى من هذا الشهر يلاحظ بلا شك فروقا هائلة في حال القوة الشرائية في الأيام العادية وأيام رمضان المبارك ثم الملاحظ أن ما يتم إتلافه والتخلص منه من المواد الاستهلاكية المشتراة باعتباره فائضا عن الحاجة يمثل نسبة بالفعل قد تصل إلى 50% أو تتجاوزر ذلك!
* ما أود الإشارة إليه هنا أن التبذير والاستهلاك العشوائي للمواد الاستهلاكية والأغذية قد يشكل واحدة من الأزمات الغذائية أو يتسبب في حدوثها وهو ما يحدث كل عام في مجتمعنا حيث تنعدم أو على الأقل تكاد تنعدم بعض السلع والمواد الاستهلاكية بسبب الإقبال الكبير عليها وشرائها بطريقة لا تتماشى مع قدر الحاجة إليها وهو ما يتسبب في اختلال كبير في ثنائية العرض والطلب وبالتالي توفر السلعة بقدر فائض عن الحاجة لدى البعض وانعدامها تماما لدى البعض الآخر وهذا بالطبع يتنافى مع الأخلاق والقيم والسلوك الحسن وهذه صفات وحالات لا اعتقد أنها تتماشى مع رؤيتنا وانطباعنا حول شهر رمضان كشهر عبادة واستقامة وعمل حسن بالمرة!!
* ومن أبرز الملاحظات أيضا والتي أصبحت تمثل ظاهرة سلبية بل سيئة يجب التوقف إزاءها في شهر رمضان الكريم إنه نظرا للإقبال الشرائي لكل شيء متعلق بالاستهلاك الغذائي تكتظ الشوارع والأرصفة بالمواد الغذائية المعلبة والمغلفة بطرق باعثة على الشك والريبة بالإضافة إلى أغذية إما منتهية الصلاحية أو قريبة من الانتهاء في صلاحيتها وإمكانية استخدامها وهذا في حد ذاته جريمة أخلاقية ودينية وقانونية خطيرة على صحة الناس وعلى منتجات البيع والشراء واتزان الأسواق والعرض والطلب والكارثة وأن الأمر لم يعد مرتبطا ببضائع الشوارع والأرصفة وحسب بل وصل الأمر إلى أن كثيرا من المحلات والمتاجر تجري عمليات غش وتبديل في لواصق تاريخ الانتاج والانتهاء المتعلقة بالسلع الاستهلاكية وهذا بعيد عن أي عمل أو إجراء رقابي مختص من قöبل الجهات المختصة!
* وهنا يجب الإشارة والتشديد حول عملية الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المختصة لأن هذا في جوهر مهامها ووظيفتها والتأكيد على أنه إذا كان في تلك العمليات اللا إنسانية والأخلاقية ما يخالف الدين وقدسية وخصوصية الشهر الفضيل الدينية فيما يتعلق بمن يقوم بتلك العمليات الغشية البشعة فإن فيها أيضا مسؤولية لا تجانب الجهات المختصة والمسؤولين عن رقابة ومتابعة وضبط المخالفات المتعلقة بهذا الجانب ولعلنا نطرح هذه المشكلة للمرة ربما المائة أو أكثر ليس لأجل ضبط حالة معينة أو من أجل النقد واستشارة الرأي بقدر ما نعتبر هذا الطرح بمثابة دعوة ملحة للجهات المختصة لتولي مهامها والاضطلاع بمسؤولياتها ليس أمام وظيفتها وحسب وإنما أيضا أمام نفسها وأمام المواطنين وصحتهم والأخطار المحدقة بهم ثم قبل كل ذلك أمام الله تعالى وأخلاق وسلوك الدين القويم واللهم إني صائم.