الغيبة والنميمة

الشيخ ياسين محمود عبدالله أحمد

لقد كرم الله الإنسان على كثير من خلقه .. كرمه بما أودعه فيه من فطرة تأهل بها لخلافة الله في الأرض .. كرمه بتسخير القوى الكونية له في الأرض وإمداده بعون القوى الكونية في الكواكب والأفلاك وكرمه سبحانه بأن سواه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته فقال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” ومن هذا التكريم أنه ضرب سياجا حول حريته وكرامته وحرمته فلا حجر على حريته ولا تعدى على كرامته ولا انتهاك لحرمته هذا إن هو حافظ على نفسه وكرامته وحريته ولم يرتكب ما يستحق العقوبة فيها.
ولأن سوء الظن أساسي تبنى عليه القبائح فبسببه قد يقتل الإنسان بريئا أو يعاقب مظلوما إلى غير ذلك مما يترتب على سوء الظن وأخذ الناس بالشبهة من أجل هذا فقد ضرب الإسلام سياجا حول حقوق الناس الذين يعيشون في مجتمع الإسلام العظيم فلا يؤخذون بظنة ولا يحاكمون بريبة ولا يصبح الظن أساسا لمحاكمتهم قال “ص”: ” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله عرضه” فعظم الله الغيبة في كتابه وعظم جزاءها يوم القيامة فقال تعالى (لا يغتب بعضكم بعضا” أي ولا يذكر بعضكم بعضا بما يكره في غيبته سواء الذكر صريحا أو إشارة أو نحو ذلك مما يؤدي مودي النطق لما في ذلك من أذى المغتاب وايغار الصدور وتفريق شمل الجماعات فهي النار تشتعل لا تبقى ولا تذر والمراد بما يكره ما يكرهه في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو خادمه أو ملبسه أو غير ذلك مما يتعلق به قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله الغيبة والإفك والبهتان.
فأما الغيبة هي أن تقول في أخيك ما هو فيه.
أما الإفك أن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه.
وقد عرف النبي “ص” الغيبة فقال (أتدرون ما الغيبة) قالوا: الله ورسوله أعلم . قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل إن كان في أخي ما أقول قال فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته” رواه مسلم.
ولا خلاف بين العلماء في أن الغيبة من الكبائر وأن على من اغتاب أحدا التوبة إلى الله والاستغفار لمن اغتابه أو الاستحلال منه بل إن سفيان ابن عيينه يقول “الغيبة أشد من الزنا ¿ قيل: وكيف قال: الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وأن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه”. رواه البيهقي عن أنس.
القرآن الكريم بشع الغيبة بأبشع وصف فقال” ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم”.
بل إن السنة المطهرة بشعت الغيبة أيضا والذي يستعرض هذه النفوس لا بد أن يفكر ألف مرة قبل أن يقول في أخيه كلمة يكرهها روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت “قلت للنبي “ص” لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” . وروي عن النبي “ص” فيما رواه أبو داود بإسناده عن أنس بن مالك أن النبي “ص” قال: “لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون من أعراضهم”صحيح رواه أبو داود.
وقال النبي “ص”: الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه” صحيح. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله “ص” يقول: “من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال” رواه البخاري . فكما أن الغيبة تحرم على المغتاب فكذلك يحرم على السامع استماعها وإقرارها ويجب عليه أن ينهى المغتاب إذا لم يترتب على ذلك ضرر له فإن تأكد حدوث الضرر له أنكر بقلبه وإن استطاع أن يفارق المجلس فليفارق.
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله “ص” : “من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار” رواه أحمد بإسناد حسن.
النميمة
هي نقل الكلام بقصد الوقيعة بين الناس قال “ص”: “لا يدخل الجنة نمام” . وعن حذيفة قال: قال “ص” “لا يدخل الجنة قتات “نمام” وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله “ص” قال: “إن أحبكم إلى الله يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويألفون وإن أبغضكم إلى الله عز وجل المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة أو بين الأخوين الملتمسون للناس العثرات (أي البرءاء).
لأن الكلمة عظيمة وجزاءها أعظم عند الله يوم القيامة فكم من البيوت هدمت بكلمة من فاسق وكم من النساء طلقت بسبب كلمة من فاسق وكم من الجيوش أبيدت بسبب كلمة من فاسق ولذلك يحذر النبي “ص” من مجتمع النميمة فيقول (لا يدخل الجنة نمام).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله “ص” مر بقبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله” متفق عليه. ويقال عمل النمام أضر من عمل الشيطان لأن عمل

قد يعجبك ايضا