التناص وموتيفة الموت فى القصة القصيرة
شوقى بدر يوسف*

من الإشكاليات المهمة التى احتفى بها السرد الروائى والفن القصصى “موتيفة الموت” واقعه وماورائه. كتب فى ذلك الكثير من الكتاب والمبدعين وحفلت القصة والرواية العربية بهذه الموتيفة فى أعمال عدة ابرزها كانت فى أعمال نجيب محفوظ وحنا مينه ويوسف إدريس وعبد الرحمن منيف وتيسير سبول ومؤنس الرزاز وغسان كنفانى والطيب صالح وجبرا إبراهيم جبرا وضياء الشرقاوى وغيرهم من كبار الكتاب وكان الطرح الروائى والقصصى فى كتابات هؤلاء الكتاب حول هذا الموضوع من وجهات نظر وجوانب تبئيرية متعددة ومتباينة وقد تناول النقاد والباحثون هذه التيمة فى تناولهم لإشكاليات السرد العربى والغربى نذكر منهم على سبيل المثال “إشكالية الموت فى الرواية العربية والغربية” وهى رسالة حصل بها الباحث الدكتور أحمد الزعبى على درجة الدكتوراه من جامعة ميتشجن بأمريكا كذا كتاب رحلة الموت فى أدب نجيب محفوظ للناقد حسين عيد. وكتاب “أدباء منتحرون.. دراسة نفسية” وهى أيضا رسالة للباحث مكرم شاكر أسكندر حصل بها على الدرجة الدكتوراه فى علم النفس من كلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة 1985. إلا أن القصة القصيرة وما تحفل به من تناصات مختلفة حول هذا النوع من الكتابة وهذه التيمة – وهى كثيرة للغاية – يجعلنا نتوقف أمام هذه الظاهرة من خلال ثلاث نصوص قصصية تتناص فيها تيمة الموت فى إشكالية واحدة وهى إشكالية العبث معه ومحاولة الاقتراب منه بصور متباينة حتى ينتهى هذا العبث بنهاية مأسوية تكاد تكون واحدة فى القصص الثلاث مجسدة بذلك إشكالية ودلالية ميتافيزيقية تعطى مؤشرا بأن الموت قريب جدا منا ولكننا لا نكاد نشعر به وأحيانا يمد لنا يده وأحيانا بطريقة لاشعورية نستسلم لهذه اليد ونمسك بها دون أن نشعر بأن هذه هى النهاية وهذه هى ما أكدته هذه النصوص القصصية الثلاثة فى تناصها الدلالى وأبعادها الميتافزيقية المحققة لإشكالية الموت فى صورته العبثية.
والقصص موضوع هذه القراءة هى قصة “ الذى مات بطريق الخطأ” للكاتب الإيطالى الشهير دينو بوتزاتى والذى ترجمها إلى العربية الدكتور محمود موعد ونشرت بمجلة العربى الكويتية ع 324 فى نوفمبر 1985 كما نشرت أيضا تحت عنوان “الذى مات خطأ” بترجمة الدكتور منذر عياشى فى مجموعة مختارات قصصية لبوتزاتى بعنوان “الجنرال المجهول” صدرت عن دار الإنماء بسوريا 2002 والقصة الثانية للقاص المصرى مصطفى نصر وهى قصة “مقادير” ونشرت بمجلة البحرين الثقافية عدد 25 فى يوليو 2000 كما نشرت أيضا تحت عنوان “إزعاج سلطات” بمجلة الرافد الإماراتية ع 142 فبراير 2001 أما القصة الثالثة للقاصة اليمنية نادية كوكبانى وهى قصة “مزحة” ونشرت بمجلة الراوى ع 6 فى ديسمبر 2000. القصص الثلاث تحتفى بعبثية مواجهة الموت من زوايا مختلفة لعب فيها القدر دورا فى إنهاء هذا العبث فى مراوغة غير محسوبة تحول فيها الأمر من مجرد لعبة عبثية إستيهامية إلى حقيقة واقعة وغير متوقعة لأن هناك ثمة مقولة تقول “أن الحياة نفسها موت مستمر.. لأننا لا نكف فى كل لحظة عن بناء موتنا”.
كتب دينو بوتزاتى قصته بحرفية القاص المتمرس بمثل هذا النوع من الكتابة وبآلية ميتافيزيقية متأثرا فيها بأعمال إدجار الن بو وكافكا وغيرهم من كتاب النزعة الكابوسية ومن خلال خبرة طويلة فى القصة القصيرة والصحافة باعتباره كان صحفيا متمرسا فى جريدة كورييرى ديللا سيرا الإيطالية وقاصا من الطراز الأول.
ويجسد بوتزاتى فى قصة “الذى مات بطريق الخطأ» إشكالية الموت الخطأ والإلتباس الحاصل مع الموت الحقيقى من خلال الفنان التشكيلى الرسام ليسيو بردونزانى الذى قرأ خبر نعيه فى إحدى الجرائد ورثاء زملائه الفنانين له وتعرضه لبعض اللمزات المسمومة فى الخبر المنشور وعلى الفور نادى على زوجته التى ما أن قرأت النعى حتى أجهشت فى البكاء فنهرها ليسيو وأحست بما هم فيه فانخرطت فى نوبة من الضحك.. وصرخ فيها زوجها «: ولكن هل اعتراك الجنون يا ماتيلد! إلا ترين إنى لا زلت هنا.. ولكن ألا تفهمى هذا الخطأ المرعب». ذهب بردونزانى إلى مقر الجريدة وواجه رئيس التحرير بما حدث طمأنه رئيس التحرير بأن هذا موضوع بسيط للغاية وعليه ألا يكترث به وأوضح له بأن هذا الخطأ البسيط سوف يعود عليه بالخير الوفير وأنه سوف يكسب من وراءه كثيرا. فسوف تتضاعف أسعار لوحاته بمجرد أن يعرف الناس أخبار وفاته. ويستمر الجدل حول ذلك بين رئيس التحرير وليسيو بردونزانى حتى يقتنع ليسيو بوجهة نظر الرجل ويستمر الوضع على ما هو عليه وتبدأ التحضيرات لتفعيل الجنازة ويذهب بردونزانى وهو متخفى إلى مقابر الأسرة لرؤية نعشه «: خرج بهدوء نحو المقبرة. كانت أمسية ناعمة وممطرة. عندما وجد نفسه أمام مقام صلاة العائلة نظر فيما حوله لم تكن ثمة روح تحيا. فتح المصراع البرونزى. من غير سرعة بينما كان الليل يغشى المكان قلع البراغى التى تغلق النعش الجديد بسكين كانت مع