“أول العطر” ونقطة اللا لقاء

صالح باعامر


هل لي بطردك من حياتي
أنا قد مللت من اعتيادي
لو أنني اجتاحني
وأبيح خارطة اتحادي
لشتت احتشادي
ألا تشعر فيما سبق أنك تتنفس روح قصيدة من قصائد البردوني وإن اختلف الشكل الشعري والرؤية الفنية .. وذلك في ديوان الشاعرة نبيلة الشيخ أول العطر.. ترى من هو الذي تسأله الشاعرة وتهم بطرده من حياتها وهو الذي اعتادته .. هي تود أن تجتاح نفسها لتبدأ طريقا مع قواها الكامنة فيها فهل تستطيع أن تتحرر من نفسها وتبيح لذاتها أن تعزله لتشتت قوى خذلتها ولم لا وهو الذي لاكته وتعاطت معه سأما واجترارا وتراكمات حياتية خادعة .
إلا أنها لم تمتلك لحظة العزم بعد لكي تستوطن دواخلها حتى تهتدي إلى ذاتها واحتشاداتها لتطرد اعتيادها لكنها تراوغ خطوتها الأولى لكي تلوذ إلى ذاتها لتعينها على دحر الاعتياد الذي غدا شاهقا كالجبل وبعيدا كبعد السماء ومتمددا كالبحر ومتراميا كالصحراء .
يفتك بهذا الاعتياد وتغمرها النتوءات والمعيقات والسكون والملل وما تخبئه المروج الخضراء الخادعة وما كانت تعتقده منها حتى الليل المستعين بالنجوم تمد له جوارحها لتشتت احتشادها .
يا ذي الجبال
وذي السماء
وذي البحار
وذا اعتقادي
يا ذي المروج الخضر
تخدعني
تجملها البوادي
يا ليل
با نجمات
يا
يا قمر تظاهر
بالوداد

ألم تكن الشاعرة مخدوعة بجماليات كانت تؤنسها وتخضبها بألوانها التي هجست أن تسمو بها إلى مرافئ الأمان والاطمئنان لتساكن أياما غدت ينكسر فيها غثيان النفس وساعات الملل .
رفاق الأمس صاروا من الاعتيادات ولابد من طردهم لو تمكنت من اجتياح الذات وتوحدت مع خارطة اتحادها لتختط سبيلا يهزم الخذلان .. كانت تتأمل الجمال والعطاء والحب الذي صار مفقودا لكنها لم تقدم سوى اللوذ إلى الذات .
فلقد انكشف السر وصار القمر ليس قمرها والرفاق ليسوا رفاقها .
فلترحلوا عني
سأبحث عن رفاق جداد
ولقد أدى الملل بالشاعرة إلى حد الهجس بوقف الحياة والزمن ودوران الشمس لأنها صارت من الاعتيادات التي سئمتها وملت رؤيتها لأنها لم تعد تأتي بجديد سوى تعاظم الملل .. تشرق الشمس وتغيب دون نظام يقيدها .. فأي حياة هذه التي لا تخلق سوى الاستعباد والرفاه للأنا والبؤس الآخر.
يا شمس أنى ترحلين
إلى متى هذا التمادي
من ألف ألف
تشرقين وتغربين
بلا رشاد
حتى الأسماء كل الأسماء التي تحملها الكائنات في البر والبحر في الماء وفي السماء صارت أشياء يجب أن لا تستمر خلف ملتها وما عليها إلى أن تتحول إلى شيء غير عادي :
يا هذه الأسماء
والأشياء
كفي عن عنادي
إني مللتك
فاستحيلي أي شيء
غير عادي
الشاعرة بعد الآن لن تتخذ لها خليلا ولا صديقا لأنها بعد الآن لن تهادن وفي الوقت ذاته لن تعادي :
أنا لن أخالل
لن أصادق
لن أداهن
لن أعادي
هكذا ستغدو والذي سيغادرها فليغادر لأنها لم تعد تقبل ما يفعلون :
فلتصنعوا هبلا فإني
لن أكون من العباد
لقد همت بترك ما اعتادته من ملل وقررت أن تكون مغايرة للمألوف:
إني أقلúت جوارحي
وسحبت أوراق اعتمادي
قصيدة ( ملل ) تنقلني إلى أجواء رواية ( الغثيان ) للكاتب والروائي جان مول سارثر التي تعاطت مع فضاءات وجودية تعبيرا عن الهم والضجر النفسي والتي جسدت آفاق المذهب الوجودي الذي عمقه هذا الفيلسوف واحتذاه الأدباء كتابا وشعراء في العالم والذي لازال مؤثرا في الإبداع بل صار تيارا مهما عمق الأدب اجتماعيا وفكريا ورؤية فنية وإنسانيا.
لا أقصد أن الشاعرة في قصيدتها هذه تناصت مع بعض مظاهر الوجودية بوعي أو بغير وعي وإنما نحن هنا قمنا بإسقاط ما جاء في القصيدة على بعض تلك الأجواء .
فالتمزق الذي أنهك الشاعرة في هذه القصيدة جعل ( ملل ) مضمخة بخطرات الفلسفة الوجودية . ولو تعمقت نبيلة الشيخ أكثر في روح هذا المذهب لأنتجت شعرا يتسم بالعمق وإنسانية إنسان هذا العصر متنفسة فكرا وثقافة وتشبعا بوجبات وجدانية قلما تجدها إلا في أنضج الأعمال الأدبية.
لست أدري سبب توحدي بـ (ملل) التي رأيت فيها تأملات ” الأنا” التي كانت مبعث تشكل فضاءات كانت حلما وحبا وجمال وحياة وحيرة وملل شك وضجر وغثيان .. هذه السمات التي أوجدتها نبيلة كائنا يفكر ليثبت حضوره.
هناك شيئا ربما لا أكون مبالغا إن نوهت إليه وهو أن نبيلة الشيخ اهتدت في ديوان ( أول العطر ) إلى تقنيات سردية كالمفارقة والتداعي والانزياحات والحوار الداخلي وحوار الآخر وهذه الأشياء ساعدت القصيدة أن تر

قد يعجبك ايضا