نحو ثورة أخلاق

جمال الظاهري


(هييييلا هووووب) .. هكذا هي يومياتنا في يمن الحكمة الغائبة أو المغيبة في حياتنا اليومية .. عم الانفلات الأخلاقي معظم نشاطنا اليومي .. الكل يدرك ذلك وفي نفس الوقت الكل ينكر ويدفع عن نفسه هذه السمة التي تقزز كل نفس سليمة..
حين قال البعض أنهم ثوار وأن الأحداث التي حصلت ثورة وساقوا مبرراتها قدموا أنفسهم كمنقذين ومدافعين عن قيم الحياة السليمة التي ينعم فيها الجميع بالمساواة وبالحرية والعيش الكريم بقالب أخلاقي ولا أروع منه ..
من وقف ضد فعل هؤلاء استند هو الآخر إلى نفس القيم التي سبق ذكرها على اعتبار أن من خرجوا ليسوا إلا هواة سلطة وامتيازات ويسعون إلى الاستحواذ وسلب كل شيء من البسطاء بمبررات لا تمت إليهم بصلة ..
اليوم حالنا لا يخفى على أحد فلا من وقف ضد التغيير بالصورة التي كان يراد لها أن تقتلعهم من السلطة تماما استطاعوا أن يثبتوا أنهم كانوا أصحاب حق وأرحم ممن انقلب عليهم ولا الانقلابيون كما وصفهم خصومهم استطاعوا أن يبرهنوا على أحقيتهم بالمناصب التي تقلدوها .. بل أن وصولهم إلى تلك المناصب قد أراق ماء وجوهم في كل وزارة ومؤسسة ووحدة إدارية تولوا أمرها ..
لماذا نسينا أخلاقنا ولماذا دفناها مع من دفنوا في معمعة الصراع الذي دار وما زال يدور في حياتنا اليومية رغم أننا جميعا متضررون ¿ سؤال حائر بين ما ندعيه وبين ما نمارسه ..
زججنا بكل قيمة نبيلة وبكل سمة راقية في حربنا مع بعضنا البعض بدون داع .. حتى المعتقد لم يسلم من طيشنا وحماقاتنا التي فضحتها الأيام وعرتها الكراسي الدافئة التي اعتلاها كل مدع للصلاح والخير ..
تحول الصراع من الشارع إلى مصدر القرار الذي يتحكم بمعيشة الناس .. الكل يذم الكل وكل طرف يحمل الطرف الآخر المسئولية عن تردي الأوضاع في حياة اليمنيين.
(هيييلا هوووب) هكذا يتقاذفوننا كشعب ويرمون بالأسباب علينا نحن الذين استسلمنا للنتيجة المخزية للخديعة التي أوقعونا فيها.. حين تحولنا من خندق المواجهة لكل ما يعكر صفو حياتنا إلى زاوية الفرجة المؤلمة يعتصرنا الشعور بالذنب إما لأننا ساندنا هذا الطرف أو ذاك, أو لأننا بقينا متفرجين وهم يتصارعون على من له الأحقية في أذيتنا.
أكيد أن لكل شيء ثمنا وكلفة وخسائر ولكن كلفة وخسارة أخلاقنا هي أكبر خسائرنا بالتأكيد ولعلكم تتفقون معي بأن ما نراه اليوم من انفلات أمني وفوضى مريعة, وهدر للمال العام واستخفاف بحاجة الناس وامتهان كرامتهم استغلال لحاجاتهم ما كان ليحصل لو أننا صنا أخلاقنا في أيام الخصومة وفي أيام السلم ..
ما نراه ونعيشه اليوم من معاناة ليس إلا تبعات لهذا الانحطاط الأخلاقي الذي طبلنا له جميعا دون اعتبار لمشاعر بعضنا البعض ودون تقيد بقيم الدين وبعادات وأخلاق الشعب اليمني الذي وجد نفسه تائها في معمعة يحفها الزيف والافتراء من كل اتجاه..
اليمن اليوم ليست تلك البلاد وذاك الشعب الذي عرف بأصالته ونخوته وكبريائه وإعلائه للأخلاق الرفيعة .. اليمني الأصيل في هذه الأيام مغيب في كل شيء منكسر يعتصره الندم وتلفه الحيرة في الحالة التي صار إليها وضعه وما كان يؤمن ويعتز به ..
اليمني اليوم بحاجة إلى ثورة أخلاقية ثورة تبدأ من داخل الفرد ومن ثم الأسرة وصولا إلى المجتمع بأكمله .. ثورة تحيي ما مات من قيمة وتعلي من شأن الفرد بلا تمييز وتصون كرامة ومعتقد الناس وما تربوا عليه من قيم سامية وأخلاق نبيلة.
باختصار الأفعال التي جلبها الربيع العربي كان أكبر ضحاياها أخلاقنا وإيماننا بما يجمعنا مع بعضنا البعض في حياة هي زائلة ارثها الوحيد ما سنتركه لأجيالنا من أخلاق حميدة, لأن البديل هو الضياع والصراع والكفر بكل شيء, وأن نصير أضحوكة الشعوب والأمم الأخرى.
جميعنا مسلمون ونحمل هوية اليمن ذائع الصيت بعراقته وأصالة شعبه وحضارته, لذا علينا أن نبدأ باستعادة الأخلاق التي تربينا عليها والتي سبب سيدنا محمد – صلى الله عليه وعلى اله وسلم – مبعثه ونزول الوحي عليه من أجل إتمامها .. حيث قال الصادق الأمين: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)..
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا .. هذا البيت الشعري أفصح ترجمة لأهمية الأخلاق على كل المستويات وفي جميع أنشطتنا اليومية .. نحن بحاجة لثورة أخلاق وقيم نبيلة كي تسقط القبح الذي أطل علينا في هذا العصر ثورة تعلى الجمال فينا ومن حولنا وتنير دواخلنا كي نستمتع بجمال ونكهة الحياة السعيدة في ارض السعيدة.

قد يعجبك ايضا