خلافاتنا.. بناءة أم مدمرة¿
جميل مفرح

الاختلاف في الشؤون السياسية والتنظير الفكري والايديولوجي أمر طبيعي حين يحدث بين طرف سياسي وآخر أو بين توجه وسواه بل إنه علامة تدل على وضع صحي يفيد في التصحيح وتعدد الخيارات وعدم الانحصار في إطلاقية الرأي المسيطر الواحد وفرض الرؤية الأحادية في التوجه التي تسوق بالقوة الرضا وعدم الرضا.. ولابأس إطلاقا في وجود التنازع السياسي خصوصا حين يكون أو ويصب في مجمله في مصلحة الوطن والمصلحة العامة للشعب وحين يساق في القوالب المثالية تلك القوالب التي تستحكم على رضا العامة الغالبة حد الاستقطاب المطلق وربما التعصب الإيجابي كونها تلبي الكثير من الحاجات الإنسانية والفكرية المثالية كالعدالة والحقيقة والإنصاف…ومن هنا فإن الاختلاف في الرأي أو التوجه سمة إيجابية بأي حال من الأحوال والاختلاف السياسي عملية بنائية حقيقية تعمل على الفرز والتصحيح والإصلاح وإن بنسب متفاوتة وديناميكية أو آلية متباطئة.
وقد يصل الاختلاف فعلا حد الخلاف والخلاف ليس بالضرورة سلوكا سلبيا أو سيئا كما يرى الكثيرون بل فيه من الايجابية ما يبني أوطانا ويحقق غايات وأهدافا وطموحات لم يكن لها أن تتحقق لو لم يكن موجودا ويبرز أثره فالخلاف والاختلاف إذن سلوك حسن له كبير الأثر في تحقيق المشروعات الطموحة وتغذية العقول والأفكار وتعدد فرص الاختيار والمفاضلة وهذا في مجمله من العوامل المؤثرة والفاعلة في تحسين مسار الحياة والارتقاء بالبشرية وتحرير الأوطان من كوابيس الديكتاتوريات التي من المفترض أن تنقرض شأنها شأن الديناصورات كونها لم تعد مناسبة ولا مطابقة لما تنشده الإنسانية الجديدة من أشكال حياة مدعمة بقيم الحرية والعدالة والمساواة وسواها من القيم والسلوك والحقوق التي وجدت البشرية مجبولة عليها لولا المؤثرات والمغيرات التي نفرضها أو نتقبلها نحن من تلقاء انفسنا.
وفي هذا السياق على سبيل المثال تبرز لنا على المستوى المحلي في اليمن الكثير من القضايا والمشكلات المرتبط معظمها بمستوى المفاهيم والمدركات وعلى رأسها السياسية بالدرجة الأولى والفكرية بالدرجة الثانية فحين نتعامل مع قضية الخلاف والاختلاف نسوق أنفسنا باتجاهات تصل حد الكفر بالقيم الإنسانية والمعاني المثالية حتى فيما يتعلق بالجانب الديني فما بالك بالوطني والأخلاقي والقيمي . وتنهج ذلك النهج بشكل مدرك ومفرط التوجهات السياسية والفكرية ويصل حد الخلاف والاختلاف لدينا إلى المناطق الشائكة وربما المحظورة مما يؤدي إلى هدم تلك القيم والمثاليات التي نطمح بها والتي لا تكاد تخلو من النصوص الدالة عليها مشاريع وطروحات هذه القوى السياسية التي كثيرا ما تنفضح حين تمارس خصوماتها الضدية البينية فتكفر حتى بما تطرحه هي وتكفر ما يطرحه سواها بشكل مطلق حتى وإن كان فيه ما يتماثل مع رؤاها وطروحاتها, فقط من أجل الإطاحة بهذا الخصم أو ذاك, وكثيرا ما لمسنا الحملات التي يشنها السياسيون ضد بعضهم, والتي تصل حد التجريح بالخلق والأخلاق والتشكيك في الدين والمعتقد والغايات.. وكل ذلك من أجل كسب سياسي في وسط الكيان الاجتماعي, الذي يعتبر ساحة وميدان التسابق ومقياس الكسب, وطريق الوصول إلى الغايات والأهداف المحصورة في مصلحة ما أو كسب ما.
وأضرب هنا مثالا قريبا واضحا يتعلق بما يواجهه الوطن ويخوضه من حرب ضد الإرهاب والتخريب وإشاعة الفوضى تلك الممارسات التي تدار في الوطن لغايات ربما عدة تقف وراءها قوى معينة ولكن أهم تلك الغايات تبدو جلية ومرعبة وهي حرمان الوطن من الاستقرار السياسي والاجتماعي, وإبقاؤه في دوائر الفوضى التي لا يمكن أن تكون لها غايات حميدة أو أهداف بنائية إيجابية.. وعلى الرغم من ذلك فقد أتاح الاختلاف والاختلاف الذي من المفترض أن يكون إيجابيا لهذه القوى الهدامة أن تحقق كسبا معينا في شق الصف واستمالة فئات وربما أصوات إلى جانبها رغم اللهجة والصفة التدميرية التي تتجوهر في اشتغالها السياسي والاجتماعي وطروحاتها الإغرائية المخادعة التي ينجذب لها البعض بفعل الطرح الإقناعي البالغ الأثر الذي يتولاه دعاتهم ومنظروهم, الذي يتمكنون به من كسب مستوى معين من المناصرة والتأييد وربما التعصب الأعمى له على علاته ورغم مساوئه الكارثية.
ما أريد الإشارة والوصول إليه هنا هو أن الاختلاف حين يتجاوز حدود المنطق والعقل ويتنافى مع القيم قيم الوجود والتفكير الحسن ليصل إلى الفكر الضال والهدام يغدو فعلا تدميريا لا يمكن أن يحقق مصلحة أو ينبئ عن مستقبل آمن بأي حال من الأحوال فما بالك أن نطمح في أن يكون بناء ومضيفا وذا رؤية بعيدة المدى تهدف إلى تحقق المثال او على الأقل تحقق الأفضل .. وقد ألمني حقا ويؤلم الكثيرين أن هناك بين ظهرانينا على سيبل المثال من يسفه مواجهة الإرهاب التي اعتزمت بلادنا ركوب مخاطرها للتخلص من هذه الآفة الخطيرة وأن هناك من يكاد يقف