ارتباط وتداخل الشأن المحلي بالشأن الدولي

أ.د. عمر عثمان العمودي


في عدد غير قليل من الندوات والفعاليات السياسية التي عقدت في صنعاء وقدöرت لنا المشاركة فيها أثير موضوع ارتباط الشأن السياسي الداخلي بالشأن السياسي الدولي وبسبب التناولات الخطابية والاستعراضية التي قدمت في هذا المجال نود هنا أن نتناول هذا الأمر بشيء من الموضوعية وبإيجاز أيضا ولاحق أن أمور المجتمع السياسي الداخلي وخاصة عندما ترتبط ببعض الأبعاد الإيديولوجية الدينية أو المذهبية لا تتصل من الخارج وتأثير الخارج لا في الماضي ولا في الحاضر غير أن ظروف الحاضر قد جعلت من الأمرين عبارة عن كل واحد لا يتجزأ. لماذا¿.. لأن ظروف الحاضر تختلف جذريا عن الماضي من تداخل وتكامل حياة الشعوب والدول سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا بفعل التقدم المذهل وغير المسبوق العلمي والتكنولوجي وفي مجال المواصلات ووسائلها السريعة وأدوات التواصل الإلكترونية العابرة للدول والقارات وكل ذلك أنهى الزمن والمسافات وجعل كل الشعوب على معرفة ومتابعة يومية لكل ما يجري في العالم من إيجابيات أو سلبيات.
كان تدخل الآخرين في الشأن المحلي إذا تم في الماضي يأخذ وقتا طويلا وقد تحسم المشاكل والصراعات الداخلية قبل وصول الأطراف الخارجية إلا إذا كان الخارج متربصا بالداخل ومتحفزا وعلى أساس مسبق وعموما فإن الخارج إذا قدر له النجاح في الداخل فإنه يستند على خلافات العناصر المحلية وفي العشرينيات من القرن الماضي قال المفكر المصري لطفي السيد “لولا استبداد ومظالم الداخل لما جاء الاحتلال أو الاستعمار الخارجي”.
الحاضر لا يقبل الفصل بين الأمرين هذه حقيقة ثابتة ومبرهن عليها ويجب التكيف معها وعلى الداخل أن يجيد حسن استثمارها بقدر الإمكان للصالح المحلي والوطني فسيادة الدول لم تعد حرة ومطلقة كما كان الأمر في السابق ورسم الدول لسياساتها العامة الداخلية والخراجية يجب أن يراعى فيها واقع النظام والمجتمع الدولي وظروف السياسة الدولية وحريات وحقوق الإنسان التي أصبحت لها كينونة دولية وقبولا كونيا عاما وهذا التابع الجديد يثير الأمل تجاه تقدم المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية والإسلامية على حساب صراعات القوة والمصالح التي لا تزال هي الأساس في حياة المجتمعات السياسية الداخلية وعلى مستوى العلاقات الدولية.
علينا أن نتقبل ظهور ممثلي القوى والمنظمات الدولية في الشأن الداخلي وعلى مسرح المشهد السياسي الداخلي لأن هذا هو طابع ومنطق العصر الحاضر وعلينا التسليم بوجود مصالح وحسابات خاصة بكل الدول الخارجية وأنها تسعى إلى تحقيقها وأنها في سبيل ذلك كثيرا ما تلجأ إلى لانتقائية والكيل بأكثر من مكيال ومكيال وعلى الطرف الداخلي معرفة وإدراك ذلك ولكن بدون الانبطاح للخارج والتسليم بوصايته وحرية القرار الوطني لا تعني تجاهل المعطيات والتدخلات الخارجية ولكن التعامل معها بمرونة وحنكة من أجل إعطاء الأولوية الموضوعية للصالح الوطني الهام وقيم وهوية ومبادئ وتقاليد المجتمع الوطني والسياسة هي فن استخدام المحن والظروف من أجل الممكن المتاح.

قد يعجبك ايضا