التقنية والمعرفة الإنسانية

بعد أكثر من عشرين سنة على وفاة الفيلسوف والمهندس الفرنسي جيلبير سيموندون تشهد رفوف المكتبات الفرنسية عملا له ينشر للمرة الأولى. وهو مجموعة من المقالات والدراسات التي كان قد كتبها في العقود السابقة. ويحظى صدور هذا الكتاب باهتمام النقاد نظرا لراهنية موضوعها حاليا المتعلق بـ “التقنية” ولأهمية المؤلف ـ الفيلسوف الذي كان له تأثير معترف فيه على فلاسفة ومفكرين كبار من أمثال: جيل ديللوز وبرنار ستيغلر.
تتوزع مواد العمل بين أربعة محاور تبعا للصيغة وللوظيفة المطلوب تلبيتها. وهكذا ضم المحور الأول “الدروس” التي كان المؤلف ـ الفيلسوف قد حضرها لطلبته في الجامعات: البسيكولوجيا الاجتماعية للميل التقني ولادة التكنولوجيا الفن والطبيعة.
المحور الثاني من الكتاب مكرس لـ”المقالات والمحاضرات” وعددها تسع كتبها المؤلف بين عامي 1953 و 1983 وتتمحور حول العلاقة بين الثقافة والتقنية. والمحور الرابع يحتوي على “مقتطفات وتعليقات”. وتختتم محتويات الكتاب بثلاث مقابلات كان المؤلف قد أجراها مع ثلاثة باحثين حول مسائل تتعلق بـ”التقنية”.
ومن الأسئلة التي طرحها المؤلف على نفسه كما يطرحها بصيغة ما في مساهمات هذا الكتاب هناك السؤال الخاص بمعرفة الشروط التي يمكن للتقنية أن تكون في إطارها حاملة لإمكانية إنجاز تقدم حقيقي بالنسبة للبشرية¿
في معرض محاولة الإجابة عن هذا السؤال “العريض والعميق” يقدم المؤلف في النصوص العشرين المنشورة في هذا الكتاب “قراءة للتقنية ودورها” في مختلف أبعادها الثقافية والاجتماعية والتاريخية. ذلك في منظور البحث عن الشروط المطلوبة لتحقيق تقدم حقيقي.
يكرر المؤلف القول إن ثقافة العالم المعاصر اليوم وريثة حقبة لم تكن التقنية فيها تتجاوز حدود المهن والحرف اليدوية. إذ كانت الأدوات المستخدمة بمثابة امتداد لليد التي تمارس العمل اليدوي. ومن هنا أبدت الثقافة التقليدية نوعا من العزوف والرفض للتقنيات الجديدة التي تجهلها وبالتالي تحتقرها تقريبا.
الأمر تغير في عالم اليوم. لكن ما هو ثابت ويؤكد عليه مؤلف الكتاب أنه ليس الثقافة هي التي ينبغي عليها أن تندمج مع التقنية بل التقنية هي التي ينبغي عليها أن تندمج مع الثقافة. وهذه الثقافة عليها أن تأخذ في الحسبان أن التقنية تأتي تلبية لفعل إنساني وتجسيدا لتصور إنساني أيضا.
ويشرح المؤلف أن وجود “منجزات التقنية” ليس مجرد وجود فيزيائي ومادي. ولكنه أيضا وجود ثقافي وإنساني. والإشكالية الأساسية التي يطرحها مؤلف الكتاب تتمثل في معرفة الكيفية التي يمكن على أساسها إعطاء التقنية المكانة التي تستحقها في الثقافة ومحاولة فهم المصادر الحقيقية التي تؤدي إلى إحساس الإنسان باغترابه عن ذاته إذ إن التقنية هي أحد “المتهمي” الرئيسيين في ذلك الاغتراب.
 المؤلف في سطور
 جيلبير سيموندون. فيلسوف ومهندس فرنسي راحل (من القرن العشرين). نال شهادة الدكتوراه. وأصبح أستاذا في جامعة بواتييه ثم في جامعات باريس. كتب القسم الأساسي من أعماله خلال العقدين الأولين من النصف الثاني من القرن العشرين.
 الكتاب: حول التقنية – تأليف: جيلبير سيموندون – الناشر: المطبوعات الجامعية ـ باريس- 2014 – الصفحات: 480 صفحة – القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا