مجرد أصوات
محمد المساح

إنها الأصوات.. يقولها بنبرة معذبة يمطها في لسانه وتخرج من بين الشفتين أنينا.. يطبق الصمت بعدها داخله وحوله وتشمله سكينه قصيرة يود لو تستمر يمد النظر سابحا في الفراغ عبر النافذة المفتوحة وتعود الأصوات تطرق طبلة الأذن تتجعد الجبهة أخاديد جلدية يتفصد الوجه عرقا يبرز تعبير متوجع يتشنج الوجه بكامله.. يحرك الرأس يمينا شمالا عدة مرات ثم يستقر بعد مكابدة شديدة تنفرج أسارير الوجه بالتدريج ويعود إلى حالة الشرود والنظر السابح المعلق في الفراغ.. هي الأصوات تأتيه من أين.. لا أحد يدري ولا هو يدري..
ليس مجرد أصوات عادية أصوات بدرجات شتى هامسة وضاجة منغمة ملحنة مرتله متوسلة وهادرة مترحمه عنيفة وقاسية عذبة في نادر الأحوال تقطر حلاوة يتمسك بتلابيب تلك الثانية لكنها تعبره كخطفة عين ثم يعود يتقلب في لهيب الأصوات يتكسر في أعماقه وجعا يتشظى يتفتت يعود كيانه ملتحما كما كان. هل هي الأصوات تلك متخيلة أو يتوهمها¿ أمر لاأحدا يعرفه ولا هو يعرف أيضا.. تهاجمه الأصوات ولو سد أذنيه بالشمع لما قدر وأستطاع أن ينجو من سطوتها القاهرة أو يخرج من حصارها الرهيب.. وظلت الأصوات التي عبرت في تلك اللحظة الغائمة من الزمن تسكنه.. وأخذت قلبه وذهبت إلى بعيد لا يقترب.. وظل هناك لوحدة في غبش الضوء والتفافات العتمة يبكي وجعا صامتا.. يهز جسده.. ارتعاشات تتكرر.. وصوت خافت يخرج واهنا في ألم عميق يتقلص ويمتد في وجهه المعذب من تلك اللحظة العابرة التي هجمت عليه.. أصوات مجرد أصوات.