عبدالله علوان.. الناقد

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - سوف أتحدث عن الأديب عبدالله علوان من زاوية واحدة وهي زاوية النقد إدراكا مسبقا أن بقية الزملاء سيتحدثون عن عبدالله علوان الإنسان والأديب والمبدع والمفكر.. فقد كا

سوف أتحدث عن الأديب عبدالله علوان من زاوية واحدة وهي زاوية النقد إدراكا مسبقا أن بقية الزملاء سيتحدثون عن عبدالله علوان الإنسان والأديب والمبدع والمفكر.. فقد كان رحمه الله متعدد الاهتمامات والمواهب, ولعل البعد الغائب عنا هو البعد النضالي لهذا الأديب الكبير ولم أعرف ذلك إلا من واحد من زملاء الفقيد وهو المناضل والمفكر والكاتب عبدالباري طاهر, إذ أنه يذكر أن للأستاذ عبدالله علوان دورا نضاليا في سبعينيات القرن الماضي ورغم أن البعد النضالي يشكل بعدا محوريا في حياة الأديب عبدالله علوان ـ رحمه الله إلا أن الملاحظ أنه كان يعزف عن الحديث عن نفسه وعن أدواره النضالية وأملنا في الذين عايشوه وتزامل معهم في تلك الحقب التاريخية أن يكشفوا لنا الحجب عنها لأنها حسب ظني ترتبط بعلاقة عضوية مع منتجه الثقافي والأدبي والنقدي فهو يطيل المكوث عند تلك الحقب التاريخية في حركته النقدية ويجد في الراحل الكبير عبدالله البردوني نشاطا فكريا وعضويا يتصل بحلقة فكرية أكثر شمولا فهو يسقط من خلال النص البردوني.
أبعاده المعرفية والنظرية فهو يرى كما يذهب إلى ذلك الفلاسفة أن معرفتنا تبدأ بالإحساس ثم ترتقي حتى تصل إلى مرحلة الفهم وبعد ذلك تنتهي بالعقل, ولذلك كان تفاعله مع النص الشعري البردوني وفق معطيات نظرية التلقي تلك النظرية التي تعنى بتداول النصوص الأدبية وتقبلها وإعادة إنتاج دلالاتها سواء كان ذلك في الوسط الثقافي التي تظهر فيه والتي تسمى اصطلاحا بالتلقي الخارجي أو داخل العالم الفني التخيلي للنصوص الأدبية وهو ما يسمى: اصطلاحا بالتلقي الداخلي فرؤية عبدالله علوان النقدية كما نلاحظ ذلك في كتابيه ” المأسوي والهزلي في شعر البردوني” وكتاب” بردونيات النص والمنهج” ترتكز على تحليل المكونات النصية الداخلية التي تشكل النسيج الدلالي والتركيبي للنصوص فهو يرى في ذلك فعالية تراسلية تقوم على ثنائيتين هما البث والتقبل أو الإرسال والتلقي ومن خلال ذلك يستنطق الأبعاد الدلالية للنصوص قبل أن يعمد إلى إخراجها ثم إعادة إنتاجها في ضوء البنية الثقافية وبحيث تكون خاضعة للوصف والتحليل والتفسير والاستنطاق والتأويل.
والمتأمل في كتاب عبدالله علوان بردونيات النص والمنهج) يلحظ ميله الشديد إلى المدرسة الفلسفية الظاهراتية وهي المدرسة التي ترى أن المعرفة الحقيقية للعالم لا تتأتى بمحاولة تحليل الأشياء كما هي خارج الذات وإنما بتحليل الذات نفسها وهي تقوم بالتعرف على العالم فهو يقول مثلا تحت عنوان فارس الأطياف:
معرفة ديوان البردوني الثالث مدينة الغد شرط لمعرفة أدب الثورة اليمنية وشرط لمعرفة شعر البردوني نفسه, فكل قصائده صورة شعرية بليغة لوقائع الثورة ولأحوال المدينة صنعاء والريف بشكل عام). صـ23
وعبدالله علوان في جل دراساته التي تضمنها الكتاب الآنف الذكر أو غير يعمد إلى تحليل الوعي الذي يستبطن الأشياء إلى درجة تحولها إلى ظواهر كما نلمح ذلك في دراسته التي بعنوان (امرأة الفقيد التنازع بين العاطفة والواجب) أو ذكريات سيخين) أو حماقة وسلاح وغير ذلك مما تضمنه كتابه (بردونيات النص والمنهج).
أشعر أن عبدالله علوان أخلص إخلاصا فريدا لتجربة البردوني باعتبار تجربة البردوني تتقاطع مع تجربته النضالية والذهنية ولذلك نراه يقوم بتحليل الوعي للذات البردونية وصولا إلى معرفة الخصائص الأساسية للمرحلة التاريخية التي كانت النصوص تعبيرا عنها وعن خصائصها وسماتها ندرك ذلك من خلال التماهي مع الذات البردونية ومنتجها الشعري.
ويمكن القول أن الاتجاه الفلسفي الظاهراتية كتيار فكري له اتجاه نقدي جمالي ذو طبيعة شعورية ذوقية إلى جانب اشتغاله المعرفي يرى أن المنهج الأنسب لتحليل النصوص يكون (العبر- ذاتي) أي بين ذاتين ذات الكاتب وذات القارئ ويرى أن بإمكان الصورة في بعض الحالات غير العادية أن تكون مركز احتشاد الذات بأكملها وهذا الاتجاه يرى أن تناول الجزء من العمل الأدبي في الإطار الكلي لإنتاج الكاتب يكون من أجل استخلاص الرؤية الكلية للعالم لدى ذلك الكاتب وبيان ما في الرؤية من تفرد.. وعلى مثل ذلك كان الناقد عبدالله علوان في كتابه بردونيات النص والمنهج في غيره.
رحم الله عبدالله علوان فقد قدم للمكتبة الكثير وظللنا عاجزين أمام ذلك العطاء الباذخ حتى بالكلمات القليلة في حياته.

قد يعجبك ايضا