تضامنا مع الجيش
جمال حسن
يواجه الجيش اليمني منذ سنوات حملات منظمة لتدميره يتساقط جنود وضباط قتلى بصورة يومية ضمن هجمات إما يشنها القاعدة أو مسلحون حوثيون أو مسلحون من أي نوع. خلال الفترة السابقة أراد النظام السياسي المستبد أن يصنع قطيعة بين الشعب وقواته المسلحة. فهناك دائما علاقة ملتبسة مع الجيش حتى أن الوعي الوطني والشعبي صار مفرغا من أهميته. والسؤال كيف يمكن لأن يكون لوطن نوع من السيادة أو نوع من الخضوع لمؤسسة الدولة دون وجود جيش وطني قوي. حتى أن الهفوة التي وقع بها كثير من الحركات الشعبية في الوطن العربي أو ما عرف بالربيع العربي هو تلك القطيعة مع الجيش. إذ اعتبروا الجيش إما قوات تنتمي للرئيس أو للعائلة. وهذه الأخطاء العميقة توفرت في الوعي اليمني حيث أن وحدات من الجيش صارت عرضة لمحاصرة ميليشيات قبلية وعرضة للسقوط. وكان السؤال أين ستذهب أسلحة الوحدات العسكرية تلك وفي حال سقوطها فإن ذلك سيعني تعزيز سيطرة قوى غير نظامية. ربما تأسس هذا الوعي من عداء غير مستوعب للنظام السياسي أعتبر هذا الجيش هو درع الأمان للنظام.
وانحسرت بصورة عامة عدة مفاهيم فهذا الجيش بالأساس مما يتكون. هل هو فقط محصور على انتماءات محددة للانخراط فيه أو أنه مستوعب من كافة الفئات اليمنية. بصرف النظر عن توزيع القيادات العسكرية. إلا أن هذا الجيش هو أيضا عنصر رئيسي لتأسيس حماية للسيادة الوطنية.
إذن هذه القطيعة يتحملها ليس فقط النظام السياسي الذي حكم ثلاثة عقود بل كذلك الخطاب الذي تأسست عليه معظم الحركات السياسية المختلفة. سواء تلك الإسلامية أو اليسارية. كما أن هناك مسائل تتعلق بثقافة عامة ساهمت في خلق قطيعة بين الجيش والمجتمع تتعلق بالأوضاع العامة والقيم السائدة التي نخرت المجتمع. فاحتواء الجيش كمنظومة ضاربة افترض من خلالها الحاكم أنها مكفولة بحماية رئاسته على حساب الحق السياسي العام والحقوق الأخرى أيضا خلق نوعا من التباعد. وهذه الأنظمة أثبتت فشلها في حشد المجتمع أمام ما يواجهه من مخاطر. فبروز تنظيم القاعدة وميليشيات الحوثي التي تهدف لخلخلة السيطرة الحكومية لم تخلق رأيا عاما قويا ضدها بل كان هناك إما تغاضي أو تراخ من جانب واسع أو تعاطف من البعض. فالجميع مستعد للاقتناع بأن كل ذلك هو الأعيب السلطة. إذ تحول المواطنون غير معنيين بالشأن العام ومتقوقعين في ظروف حياتهم الصعبة.
فالحركات الإسلامية اتخذت طريقا أكثر استدعاء للعنف والمواجهة. واعتبرت تدمير الجيش هو الطريق الأسهل للسيطرة على الحكم. والسؤال: هل نحن في الطريق لانهيار بنية وشكل الدولة الوطنية. حتى وإن كانت في اليمن ضعيفة إلا أنها مع ذلك مهددة بالذهاب إلى سيناريوهات مريعة. فتعزيز سيطرة الميليشيات العقائدية فهي نذير مخيف لتوليد حروب طائفية.
وسيطرة الجماعات المسلحة العقائدية سيتأسس على خلق بؤر طائفية أو حوافز لصراعات عميقة تقسم المجتمع. فما فعله الفساد المالي والاجتماعي خلال عقود افرز تلك الجماعات. إذ أن المجتمعات تعبر عن نفسها بالالتفاف ضمن تعابير ذات فعالية. فمناهضتهم تصبح قابلة لأي استقطاب ذو فعالية وتأثير. وهذا ما حدث عندما انتشر الخطاب اليساري رغم انه كان يعتبر جديدا ودخيلا على ثقافة المجتمع ووعيه أما اليوم فإن استقطاب الإسلام السياسي يسعى لتأكيد وجوده ليس فقط على مستوى الشارع بل في الوصول إلى الدولة وهو مستعد على ترويض كافة أشكال ممارساته بالتوازي مع تشريع ديني هو صار ممثلا لها.
وإذا تحقق لتلك الميليشيات ما أرادت فمعنى ذلك أننا سنخسر أهم مؤسسة وطنية يمكن لها بكل سلبياتها الموجودة أن تحافظ على الشكل الوطني. فهل نتخلى عن الجيش لمصلحة ميليشيات عقائدية.
كل يوم يستباح دم الجندي اليمني ويتعرض للموت بينما الخطاب السياسي بكل ميوعته لا يساوي شيئا أمام دم جندي. لقد تضامنت الأحزاب والإعلام ومنظمات الحقوق والمجتمع المدني مع كافة أشكال التفاعلات السياسية في المجتمع حتى انها تضامنت أحيانا بمتورطين في التعامل مع القاعدة أو حتى مدافعين عن ميليشيات متمردة وطائفية وكانوا في محنتهم يستحقون هذا الدعم بصرف النظر عن رؤاهم لكنها اليوم لا تشكل رأيا قويا لتدافع عن الجيش.
وكأن الجيش ليس فيه أبي أو ابني عمي أو خالي أو حتى صديقي. ليس فيه ابن قريتي أو ابن الحي مواطني اليمني. على الأقل لنفكر بمصالحنا الشخصية ليست تلك المتعلقة بما نكسبه اللحظة أو بذهن التاجر الذي لا يرى أكثر من ربح يومه. لماذا نخذل الجيش ونحن في أمس الحاجة إليه هذه اللحظة. إذ ان تدميره سيجعلنا تحت رحمة الجماعات المسلحة سنخسر حتى الشكل الوطني الذي كنا نريد إعادة بناءه في مشهد متجدد وح