الشهيد محمد محمود الزبيري ضمير اليمن الثوري

الحلقة الثانية2
عرض كتاب ” القصيدة السياسية ..الرؤية والفن ” تأليف / فارس البيل
أشرنا في الحلقة السابقة إلى اهمية الكتاب ومنهجيته ومساراته التحليلية وتقسيماته في إطار دراسته للقصيدة السياسية عند الشاعر محمد محمود الزبيري, وفي هذه الحلقة نكمل عرضنا للكتاب .
مشكلات منهجية اعترضت تأليف الكتاب :
يشير المؤلف/ فارس البيل إلى أن البحث قد لاقى مشاكل أهمها عدم اشتمال دواوينه الشعرية المطبوعة والموسومة بالأعمال الكاملة على شعره كاملا في حين ما يزال جزء من شعره غير منشور وهو سياسي بالدرجة الأولى سوى إشارات هنا وهناك تؤكد ولا تكاد تبين مما ترتب على ذلك جهد مضاعف في البحث والتجميع والدراسة والتحليل وتمكن الباحث بعد كثير من الجهد والوقت من جمع (65) خمسة وستين بيتا شعريا للشاعر الزبيري يعيد الباحث نشرها هنا للمرة الأولى لتنظم إلى تراثه الشعري مساهمة في الجهود التي بذلت وتبذل للكشف عن أعمال الشاعر التي لم تظهر وإعادة نشرها. وتكمن المشكلة الأخرى في ضعف المصادر التاريخية والسياسية اليمنية التي تناولت تلك الفترة وعدم منهجيتها واتخاذها نمطية واحدة تكاد تكون أشبه بالسير الذاتية ولا تعتمد في كثير منها الرصد الواقعي والموضوعي الشامل للأحداث ومجرياتها مما أحوج الباحث للغوص في مصادر عديدة محلية وعربية وغيرها وكلف ذلك الكثير من الوقت بحثا عن تفسير لكثير من الأحداث والمجريات والوقائع التي ورد ذكرها في قصائد الشاعر أو أشارت إليها وذلك لضرورة التحليل الموضوعي لقصائد الشاعر ما أمكن والكشف عن تناولاتها على هدى ويقين.
نتائج توصل إليها الكتاب
توصل المؤلف / فارس البيل في ختام دراسته إلى خلاصات عديدة أهمها :
1ـ إن حياة الزبيري الإنسان قد اتسمت بالنضال والكفاح المتواصل فكان شعره أحد مفردات حياته إن لم يكن أهمها والمعبر بجلاء عن همومها وأفكارها وتطلعاتها بل وتقلباتها ولا يمكن الفصل بين حياته وشعره السياسي فهما قرينان يستدل بكل منهما على الآخر فكانت مواقفه وأحاديثه السياسية مضامين شعره والعكس من ذلك أيضا . ولأجله بدأ الشاعر حياته النضالية بالدور الطبيعي والمثالي كما هو شأن شعره بالنصح والمدح واللين ومن ثم الانتقال إلى المواجهة بالأخطاء بعد اليقين ونفاد الوسائل ومهما قيل عن بداياته تلك فإنه نوع من القفز على حقائق الحياة وما يجب أن يبدأ به في واقع كان حتى النصح فيه يعد جريمة وتجاوزا علاوة على أن هذا الدور من المدح والنصح الشعري قام به شاعر في سنواته الأولى بعد العشرين مما يدل على إدراك ووعي مبكر وعدم تهور وفرط حماس خصوصا وقد جاء المدح من سجن ونجم بعد معاناة وتجربة فكان المدح والمهادنة رغبة في تجاوز محطة كان يمكن ألا تتجاوز ما لو تم الإصرار والتصلب عند موقف بذاته .
2ـ إن شعر الزبيري كان من الإجادة والإتقان الفني في مراحله الأولى رغم صغر سن صاحبه ما يدل على نبوغ وإبداع متنام انقص الشاعر ذاته شيئا من ذلك حين أوقف شعره للسياسة وجعل وظيفته المستمرة النضال والكفاح لأجل الوضوح والبيان حين كان خطابا لشعب يعاني الجهل والأمية بنسبة كبيرة ولم يكن مندوحا الإيغال في التنميق والسبك في حين أنه مليء بالآلام والتأوهات ويدعو للنفير . وتلك كانت وظيفة شعره التي كان مزهوا بها ويعتقد بأهميتها ودورها فلم يكن شعره مجرد غنائيات ثورية بل كان وسيلة الإعلام المثلى للأحرار والباحثين عن الحرية والمتطلعين إلى النهوض وسلاح المقارعة الواضح. على أن الزبيري من خلال شعره لم يكن مجرد داع لقتال أو صراع أو تدمير وحسب بقدر ما كان داعيا لنهوض ووعي وفكرة وما أكثر ما اشتملت عليه قصائده من أفكار ورؤى ومراحل تدل على المنهجية والمشروع .
3ـ مارست القصيدة السياسية عند الشاعر أدوارا مهمة وسارت في اتجاهات مختلفة معتمدة التوعية السياسية والبيان الواقعي وبقدر ما واجهت حكم الإمامة بمفاسده دون مواربة بقدر ما واجهت الشعب بأخطائه وأرادت له أن ينتصر لنفسه ويخرج من دائرة الموت والعدمية ولا ينتظر نصرا من أحد دون عمل ولو كان ذلك من السماء. وكما قست القصيدة على الشعب فإنها اعتبرت ذلك جرعات دواء مرة يستوجب أخذها. كما أن القصيدة لم تكن مجرد صرخات في واد أو سيل من العواطف والآلام بل إنها خاطبت العقل والوجدان ومارست السياسة دون التواء أو مخاتلة . فقدمت للحاكم صورتين الأولى واقعية رصدت فيها أفعاله وممارساته التي لا تقره عليها والثانية افتراضية تدعوه فيها لواجباته كما الشعب تماما بصورتيه حاله وما يجب عليه القيام به وذلك دليل على نضج القصيدة وعمق رؤيتها وسلامة أهدافها.
4ـ لم تكن القصيدة السياسة محلية المكان أو متواضعة الطموح م