حكاية هارلم

في عام 1970 اصطحب المؤرخ والباحث الاجتماعي والمصور الأميركي ذو الأصل التشيلي كاميلو خوسيه فيرغارا آلة تصويره وشرع في التقاط الصور لحي هارلم في نيويورك على مدى أكثر من أربعة عقود كاملة من الزمن. وخرج من الصور التي جمعها في حي هارلم وعنه بمعرض للصور وهذا الكتاب الذي يحمل عنوان: «هارلم.. تدمير غيتو».
كان فيرغارا مأخوذا كما يقول بالمدن الأميركية وخاصة بمراكز المدن الكبرى مثل: بالتيمور وشيكاغو ولوس أنجلوس وبالأحياء التي كانت تسكنها أقليات إثنية أو عرقية أو عقائدية كحي هارلم في نيويورك.
ويبين المؤلف أنه يوجد حي هارلم في منطقة دائرة مانهاتن في مدينة نيويورك. ونال شهرته الكبيرة من خلال الدور الذي لعبه في تاريخ تلك المدينة وفي الازدهار الثقافي الذي عرفته على أساس أنها الموطن الرئيسي للثقافة الأميركية ذات الأصول الإفريقية.. وفي هذا الصدد يرى المؤلف أنه لم يكن مجرد مصادفة أن يكون حي هارلم أحد «بؤر» المطالبة بالحقوق المدنية للسود.
يؤرخ كاميلو خوسيه فيرغارا عبر الصور لأبنية حي هارلم الشهير ولحياة ساكنيها ونشاطاتهم. ويبين بالصور كيف أن هناك الكثير من الأبنية القديمة جرى تهديمها لتحل مكانها مراكز تجارية كبرى وصالات للبيع ولرياضات ملء أوقات الفراغ. وكذا يؤكد أن ذلك ساهم في جعل الحي مركزا يعج بالحيوية والنشاط الاقتصادي. ويشير في السياق إلى أنه عندما اختار الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون حي هارلم مقرا لمكاتبه غدا الحي أحد مراكز الجذب الحقيقية في مدينة نيويورك. لكنه فقد بالمقابل كثيرا من الهوية التي ميزته كما يدل التناقض الكبير بين الصور المأخوذة منذ عدة عقود وبين البنية الشاهقة حاليا.
الأمثلة التي يقدمها المؤلف بالصور عدة وذلك مثل: البناء الذي تعرضه أول صورة له التقطت عام 1977 ثم تحول إلى مخزن بقالة كبير لبيع الحلويات تحت تسمية «سموك شوب».. وأصبح بعدها أحد مخازن مجموعة «سليبي» التجارية ليصبح عام 2011 كنيسة.
وهنا من الملاحظ أن المؤلف ـ المصور يدعو قارئه إلى مرافقته في الاطلاع على التغيرات الكبيرة التي استجدت من فترة إلى أخرى على صعيد وظيفة الأبنية. ولكن أيضا على صعيد نمط عيش الناس وعلى مظاهر الثروة. وبهذا المعنى يرى أن الصورة يمكن أن تخدم على غرار ما تخدم الآثار المستخرجة من الحفريات.
التقط فيرغارا كما يقول صورا لكل أبنية الحي ومؤسساته وكنائسه ونصبه التذكارية وأبنيته الفخمة وحواريه البائسة. لكنه التقط أيضا صورا لمختلف المظاهر الثقافية والفنية التي وقعت عليها أنظاره وفي مقدمتها تلك الرسوم التي كانت تزين الجدران في الشوارع.. والعروض الموسيقية والمهرجانات ومشاهد مأخوذة من الحياة اليومية لقاطني الحي.
أراد كاميلو خوسيه فيرغارا كما يقول أن يشارك الآخرين عبر الصور في حياة أهل حي هارلم. ويؤكد أنه ليس مغامرا يبحث عن صور نادرة يخلدها وتجلب له بدورها الشهرة. بل إن الصورة هي بالنسبة له حامل للحظة ما من التاريخ لها ما قبلها وما بعدها.. ونقطة البداية في هذا العمل هي عندما زار حي هارلم للمرة الأولى عام 1968 إذ كان عمره 24 سنة. وكانت اللحظة التي انطلق منها مشروع مستقبلي توثيقي يرمي إلى التأريخ «اللاحق» لحي هارلم بالصور.
 المؤلف في سطور
كاميلو خوسيه فيرغارا. مؤرخ وباحث اجتماعي حول الحياة في المدن.. ومصور أميركي. كان قد قدم إلى الولايات المتحدة من بلده الأصلي (التشيلي) عام 1965 بقصد الدراسة. نشرت صوره كبريات وسائل الإعلام الأميركية. لديه العديد من الكتب من بينها الخرائب الأميركية.
 الكتاب: هارلم تدمير غيتو – تأليف: كاميلو خوسيه فيرغارا – الناشر: جامعة شيكاغو ـ 2013 – الصفحات: 269 صفحة – القطع: المتوسط

قد يعجبك ايضا