تهامة .. أرض العطاء .. والقلوب البيضاء
محمد العريقي
إذا كنت في سفر روتيني على طريق تعودت السفر عليه , فإن كل همك سيكون الوصول بسرعة إلى محطتك الأخيرة , وبالتالي فإن متاعب السفر , من الشعور بالدوران , والإرهاق سوف تكون مصاحبة لك خلال ساعات السفر , أما إذا اتخذت من الرحلة فرصة للتأمل فلن تشعر بأي تعب بل ستجني متعة السفر كما قال الإمام الشافعي (تفريـج هـم واكتسـاب معيشـة وعلـم وآداب وصحبـة مـاجـد).
هذه المرة قررت أن يكون رفيقي في السفر من صنعاء إلى الحديدة , هو القلم والورق , سجلت بعض الخواطر منذ انطلاق حافلة الركاب من صنعاء وقد نشرت بعض تلك الخواطر في موضوعين سابقين , وكانت ملتقطة لمشاهد حية ( إيجابية وسلبية ) عبر السلسلة الجبلية .
وحين صارت الجبال وراء ظهري والسهول أمامي أدركت أني وصلت أخيرا إلى سهل تهامة , تلك الأرض الطيبة التي وصفها الكثيرون بـ (سلة الغذاء في اليمن)
مجرد اقترابك من سهل تهامة , سواء كان قدومك من الشرق أو من الجنوب أو من الشمال , فانك ستكون بين طبيعة متفردة شكلتها أرض معطاة وإنسان مسالم , أو كما اطلق عليهم الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي بـ ( أصحاب القلوب البيضاء ) .
أرض منبسطة مترامية الأطراف , لاتتشاءم كثيرا إذا كنت تسير على طريق تخترق أكوام الرمال , فعلى بعد عشرات الأمتار أو الكيلو مترات هناك مزارع خضراء تفترش مساحات كبيرة من الأرض , لكن للأسف كلها أو الكثير منها انشئت بطريقة برزت فيها الأطماع الشخصية على حساب الرؤية التنموية الزراعية , فتراها متناثرة هنا وهناك دون تخطيط , ويفترض أن يكون هناك تحكم مسبق للنهوض بالتنمية الزراعية في هذه المنطقة الحيوية الهامة , لكن ما يلاحظ أن الأرض الزراعية تذبحها العشوائية , وتلتهمها الرمال المتحركة .
فالأرض التهامية قابلة للزراعة , وأكبر دليل على ذلك أنك تشاهد المساحات الخضراء بين أكوام الرمال , حتى الورود بمختلف أشكالها وألوانها شاهدتها في إحدى المزارع قرب باجل , وشاهدت أيضا حضائر متعددة لتربية الأبقار في محاذاة الطريق , ويعني أن هناك إمكانية لتربية المواشي على نطاق واسع , المسألة فقط تحتاج إلى تدخل لتنظيم الاستثمار , والتصدي للتصحر , وتنمية مصادر المياه.
في سهل تهامة كل مقومات التنمية الزراعية والسياحية والصناعية متوفرة , حتى الحياة البيئية للطيور والحيوانات النادرة , وقد شاهدت بعض الشباب يعرضون الصقور البرية الرشيقة للبيع على محاذاة الطريق .
الشيء المبهج وأنت تتجه إلى مدينة الحديدة انك تشاهد طرقا فسيحة باتجاه المناطق القريبة والبعيدة والكثير منها مسفلتة , وهذا يعني أن تهامة منطقة واعدة للنهوض إذا ما خطط لها بصورة جيدة ومدروسة, ما يعكر المشهد هو انتشار الأكياس البلاستيكية والقمامة على مساحات واسعة من الأرض , وهذا بالتأكيد يضر بالبيئة والمياه الجوفية .
مدينة الحديدة , والكثير من مدن الساحل التهامي تحتاج إلى تصور وتخطيط وبرامج تنمية محكمة , فكل نشاط ممكن يجد طريقه للنهو , فقط شيء من النظام والتنظيم .
تلاحظ أهمية الحديدة كميناء رئيسي في اليمن بمجرد دخولك المدينة من الجهة الجنوبية , حيث تلاحظ , مئات الناقلات الكبيرة التي تنقل البضائع إلى مختلف المحافظات , وتلاحظ عشرات الورش والهناجر الضخمة التي تقف فيها هذه الناقلات , كما تشاهد عشرات المكاتب التي تقدم خدمات التسهيلات .
المدينة بحاجة إلى بنية تحتية كبيرة تتلاءم ودورها كميناء رئيسي , وإلى استثمارات على غرار المدن العالمية , لماذا لا يكون هناك مباني ( أبراج عالية ) تضم العديد من المكاتب والشركات التجارية ¿.
أما اذا نظرنا للحديدة كواجهة سياحية فإن الكثير من المقومات تكتنزها هذه المحافظة , ويكفي الاستمتاع بجوها الرائع خلال فصلي الشتاء والربيع , المرتبط ببحرها المتألق , ولكن للأسف ليس هناك أي اهتمام لاستغلال تلك الشواطئ الجميلة , فمن يزور منطقة رأس كثيب السياحي سوف يحزن وهو يلمس مدى الحاجة للمرافق التي تقدم الخدمات للزائرين , وسيمثل ذلك حركة سياحية ستشغل مئات الشباب.
في كل الأحوال يستحق أبناء تهامة , كل الإعجاب لسلوكهم الهادئ اللطيف , فهم بحاجة إلى الاهتمام , وينتظرون المزيد من برامج التنمية , فلا تزال العديد من المناطق التهامية تكتوي بمعاناة الفقر والحرمان , فالأمل في دور أبناء تهامة فيما سيقدمون لأقليمهم الواعد بالخير إن شاء الله.