احذروا السياسة وعواقبها!
يكتبها: علي بارجاء
هل نمارس العمل السياسي أينما شئنا¿ وكيفما شئنا¿ أو أن للسياسة وشؤونها جهات معينة¿ وبمعنى آخر: من هي الجهات التي ينبغي أن تخوض في السياسة¿ وما هي الجهات التي يمنع عنها ذلك¿ سواء أكان ذلك بالقانون أو العرف.
الذي نعرفه أن الدول المتقدمة تركت السياسة لأربابها في الأحزاب, والسلطات, والمؤسسات المتخصصة, وتفرغت هي للاهتمام بتنمية المجتمع, وبناء الإنسان, ورفع مستوى البنى الفوقية, وتطوير البنى التحتية, وصار من حق كل إنسان أن ينتمي إلى ما يشاء من أحزاب كحق دستوري, ولكن لا يحق له أن يمارس هذا الدور في عمله أو وظيفته, أيا كانت, وبخاصة في التعليم العام والجامعي, والوزارات الخدمية, والأجهزة القضائية والأمنية والعسكرية, المؤسسات الثقافية, والاتحادات الإبداعية والنقابات والجمعيات.
من هنا سنجد أن المجتمع لن يتأثر ولن يتضرر من أي صراع سياسي, ما بقيت تلك الجهات والعاملون فيها بعيدة عن السياسة, وسيظل المواطن يعيش في أمن واستقرار في حياته ولقمته, وفي عدالة ومساواة في مكانته. لأن من يديرون تلك الجهات لن ينشغلوا عن ممارسة مهامهم من أجل الصالح العام, ولن يتأثروا بما يدور بين السياسيين من صراعات لتنعكس على تلك الجهات فتكون علاقاتها مع المواطن قائمة على أساس حزبي مقيت. وهذا ما لم نجده في الأنظمة الجمهورية وبخاصة في بلدان العالم الثالث المتخلف, التي يؤدي الصراع السياسي والأزمات السياسية فيها إلى عرقلة وشل الحياة العامة, فيعاني المواطنون من المماحكات السياسية, فتضعف أو تنعدم الخدمات العامة, في الغذاء, والكهرباء, والوقود مثلا, ويعاني الأزمات في معيشته, ويغيب عنه أمنه, ويتزعزع استقراره, وينسحب أثر ذلك ليشكل خطورة على المؤسسات العلمية والثقافية التي يضعف أداؤها, وتسيس توجهاتها وأهدافها لتصل إلى مجالات التعليم والتثقيف والتنوير.
واليمن من أكثر البلدان إصابة بداء السياسة, فأي خلاف أو صراع أو أزمة سياسية فيها سرعان ما تلقöي بظلالها على كل جوانب الحياة المختلفة, وينتشر هذا الداء في كل مؤسساتها ومرافقها, وأول ما يظهر أثر ذلك في الوظيفة العامة التي تصبح عرضة للتغيير, حتى في الدرجات الوظيفية الدنيا, ومن قراءة سريعة للتاريخ المعاصر للصراعات السياسية, يتبين إلى أي مدى عبثت السياسة بأهم مرافق الدولة الخدمية التي تأثرت بالمتغيöرات السياسية, وكان ذلك على حساب الكفاءات والتخصصات الإدارية والفنية, التي تستبدل بمن هم أقل منهم كفاءة وخبرة, طالما أنها تلبي مصالح السياسيين الصاعدين, غير عابئين بما يعكسه ذلك من آثار سلبية على الدولة نفسها, وسيرها وتطورها إلى الأمام.
ما دخلت السياسة في شيء إلا شانته, فالوطن للجميع, ونسبة المنتمين للأحزاب السياسية التي أنهكت الوطن بصراعاتها من أجل مصالحها, أقل بكثير من نسبة المستقلين اللامنتمين إلى الأحزاب, ولذا ينبغي أن لا تستغل الأحزاب وصول أعضائها إلى أي مرفق من المرافق, فيجيöرون علاقاتها وأنشطتها وخدماتها لصالح أحزابهم, فتغيب العدالة والمساواة في التعامل مع الآخرين, وهذا يفسر الفشل الذريع الذي تعاني منه تلك المرافق, إذ يعود أسباب فشلها إلى محاولة تلك الأحزاب فرض سيطرتها عليها, والتمسك بها, حتى وإن كانت لا يمتلك أعضاؤها أولئك الخبرة والمهارة والإبداع في قيادتها وتفعيل نشاطها.
والجانب الأكثر أهمية هو أن تبتعد مرافق الدولة اللاسياسية عن إقامة أي أنشطة ذات بعد سياسي, وأن تقتصر أنشطتها من مؤتمرات وندوات ومحاضرات على الموضوعات ذات الصلة أو القريبة من المجالات التي أنشئت من أجلها أو حدöدت مسبقا في أهدافها, وبخاصة الجامعات والمعاهد ومدارس التعليم العام, والاتحادات الإبداعية والأندية الرياضية…إلخ.