معركة الكرامة.. قراءة في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية 

جعفر العلوجي

 

بعد اثني عشر يومًا من التصعيد العسكري المباشر وغير المسبوق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، تتجه الأنظار نحو نهاية الجولة الحالية من الحرب، دون أن يعني ذلك نهاية الصراع، فما جرى لم يكن مجرد اشتباك عابر، بل محطة مفصلية في تاريخ المواجهة بين محور المقاومة والهيمنة الغربية الصهيونية.

انطلقت شرارة الحرب بعد أن أقدمت إسرائيل على تنفيذ عمليات اغتيال نوعية داخل العمق الإيراني، استهدفت قادة وعلماء بارزين في البرنامجين النووي والعسكري، في ظل استمرار المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، هذه الضربة فاجأت القيادة الإيرانية، وخلقت حالة من الارتباك المؤقت، لكنها سرعان ما تحولت إلى لحظة يقظة استراتيجية، إذ أعادت إيران ترتيب أولويات الرد . وبعد ثماني عشرة ساعة، جاء الرد الإيراني قويًا ومدروسًا، من خلال إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة استهدفت مواقع عسكرية ومراكز استخبارية داخل الأراضي المحتلة، مما أوقع خسائر مباشرة وأدخل جبهة الاحتلال في حالة من الذهول .

لم يكن الموقف الأوروبي مفاجئًا، إذ واصل الاصطفاف خلف الرواية الإسرائيلية، مغلفًا مواقفه بدبلوماسية خاوية من الإنصاف، أما الصين وروسيا، فاكتفتا بالإدانات الدبلوماسية دون اتخاذ موقف فعّال، ما يعكس حسابات جيوسياسية معقدة تمنعهما من تبنّي موقف أكثر حزمًا، في المقابل، برز التأييد الشعبي العارم في الشارع العربي والإسلامي، والذي كان سندًا معنويًا وإعلاميًا لا يمكن تجاهله في هذه الحرب غير المتكافئة من حيث الإمكانيات، والمتكافئة من حيث الإرادة .

ما لم يكن متوقعًا لإسرائيل وقع بالفعل، الضربات الإيرانية لم تتوقف، بل امتدت إلى عمق الكيان، مخترقة القبّة الحديدية ومحدثة شللًا في البنية العسكرية والمعنوية للجيش الإسرائيلي، الأخطر من ذلك، كان استهداف إيران لقاعدة “العُديد” في قطر، حيث تتمركز القوات الأمريكية، مما عنى إعلانًا صريحًا بأن المعركة لم تعد مقتصرة على إسرائيل، بل تتعداها إلى من يقف خلفها ويدعمها عسكريًا . هذه الضربة أرغمت واشنطن على التدخل المباشر، لكنها فوجئت بحجم الرد الإيراني واستعداد طهران لتوسيع رقعة الحرب، أمام هذا الواقع، جاء النداء الأمريكي – الإسرائيلي بوقف فوري لإطلاق النار، في إشارة إلى العجز عن احتواء الموقف عسكريًا .

إن ما تحقق ليس مجرد نصر عسكري بقدر ما هو نصر إرادة، لأول مرة في التاريخ الحديث، يقف الإسلام السياسي المقاوم في وجه الهيمنة الصهيونية-الأمريكية دون أن يرفع الراية البيضاء، انتصرت إيران، ليس لأن ميزان القوى اختل، بل لأن مشروعها الاستقلالي لم ينكسر رغم الحصار، والاغتيالات، والتضليل الإعلامي، والمقاطعة الدولية .

ولأن الشعوب لا تخطئ بوصلتها، فقد خرج الملايين في عواصم عربية وإسلامية تهتف باسم إيران والمقاومة، في مشهد يعكس عمق الانتماء الحضاري إلى محور التحرر، لا إلى خنادق التطبيع والخنوع . قد تكون المعركة توقفت ميدانيًا، لكن آثارها لن تتوقف سياسيًا ولا استراتيجيًا لقد رسمت إيران معادلة جديدة في المنطقة، عنوانها أن زمن العربدة الصهيونية قد ولّى، وأن عصر “إضرب واهرب” انتهى، لقد فرضت المقاومة الإسلامية معادلتها، الرد حاضر، والهيبة محفوظة، والسيادة لا مساومة عليها .

هذا النصر، الذي صنعته دماء الشهداء، والتفاف الشعب الإيراني، وحكمة القيادة، لن يُمحى من ذاكرة الأحرار، وهو بداية لمرحلة جديدة، يكون فيها للمظلومين كلمة وللمعتدين حساب.

 

كاتب صحفي عراقي *

قد يعجبك ايضا