السياسة وأخلاق المسؤولية.. تخليق السياسة مرة أخرى!!!

سامي عــــطا

 - استهلال /   يستطيع المرء -بواسطة القبح- أن يصل إلى السلطات لكنه لن يصل عن طريقها إلى المجد. (نيتشه( إن الحاجة إلى طرق هذا الموضوع تستدعيه طبيعة أزمة مجتمعاتنا العربية عموما ومجتمعنا اليمني على وجه الخصوص, لأن مفهوم السياسة  المتواتر,  وكما تأصل في الممارسة السياسية راهنا بات مفهوما غير عصريا ومتقادم تاريخيا , وهو أحد جذور أزمتنا الراهنة, وكما هو معروف أن
استهلال /  يستطيع المرء -بواسطة القبح- أن يصل إلى السلطات لكنه لن يصل عن طريقها إلى المجد. (نيتشه( إن الحاجة إلى طرق هذا الموضوع تستدعيه طبيعة أزمة مجتمعاتنا العربية عموما ومجتمعنا اليمني على وجه الخصوص, لأن مفهوم السياسة  المتواتر,  وكما تأصل في الممارسة السياسية راهنا بات مفهوما غير عصريا ومتقادم تاريخيا , وهو أحد جذور أزمتنا الراهنة, وكما هو معروف أن كثيرا من المفاهيم ـ كما يخبرنا علم المصطلحات والمفاهيم ـ  تتغير دلاليا ويتحول مضمونها لأسباب تتعلق بالتطور الاجتماعي والتحولات الثقافية في المجتمع, وعليه فإن السياسة ليست بمعزل عن هذا التحول , فلقد كانت السياسة تعني ملكات سلبية مثل الدهاء والمكر والخديعة والمخاتلة والكذب, وهذه معان للممارسة السياسية  في المجتمعات التقليدية (المجتمعات الإقطاعية وشبه الإقطاعية), وإذا ما أراد مجتمعنا أن يتخلص من أزماته عليه أن يتخلص من ثقافته السياسية غير التاريخية, ويغادرها كليا عبر إحداث قطيعة معها.
ولم يكن بإمكان أوروبا والغرب أن يغادر هذه الثقافة السياسية لولا تأصيلها عبر حركة تنوير معرفي تصدى لها مفكرين كثر عبر تأسيس نظري لمنظومة أخلاق المجتمع المدني الجديد, مجتمع بزغ من رحم المجتمعات الإقطاعية, هذا المجتمع الجديد استدعى أخلاقيات جديدة الأمر الذي ترك أثره على مختلف مناحي حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأعتقد أن إسهام الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت(1727-1804م) الأبرز والأكبر أثرا في تغيير ثقافة وسلوك الناس, إن أخلاق العقل أو أخلاق الواجب , أخلاق المسئولية1
ومنذ ذاك صارت السياسة تتخلق ضمن سياق التحولات الاجتماعية والثقافية, أي أنها تتخلق بالممارسة والمراقبة الدائمة والممارسة المعرفية والتنويرية للنخب الفكرية, وعندما نقول بأنها عملية, فإننا نقر بأنها لم تصل بعد إلى الكمال بعد وستظل مجالا قابلا للاختراق  ويتسلل إليها بعض ممن يفصحون شيئا ويضمرون عكسه, لكن مما لاشك فيه أن ميدان العمل السياسي يخلو ممن يفصحون عن المعنى اللاتاريخي الأنف للسياسة, أي لا يمكن أن تجد من السياسيين في الغرب من يصرح بأن السياسة كذب وخداع ومكر وتآمر, هذا الإفصاح الذي تتبناه النخب, ويجري تعميمها خطر داهم على المستقبل, لأنه يرسي ثقافة دائمة في عالم متغير, عالم يسعى إلى التخلق في كافة المجالات.
هناك تعريف للسياسة يعدها اقتصادا مكثفا, وفي اعتقادي أن هذا التعريف قد يحمل بعض الصحة, لكنه يثير مشكلات لأن الاقتصاد (صراع مصالح), الأمر الذي يعرض السياسة لأن تبتعد عن القيم, ولذا تحتاج السياسة لأن تغدو اختلاقا مكثفة, ولا تتخلق السياسة إلا من خلال كشف ممارسات السياسيين اللااخلاقية , فالنقد الدائم ينقي السياسة ويهذب الممارسة السياسية. 
إن السياسة بحاجة إلى تخليق , أي أنها بحاجة إلى ربطها بأخلاق المسئولية, ولا يمكن للمستقبل أن يحضر في الممارسة السياسية في غياب  ثقافة أخلاق المسئولية , أي أن السياسة التي تقدم أوراق اعتمادها للمستقبل  هي تلك السياسة التي تتحلى بقدر بالغ من المسئولية.
ولازال مجتمعنا يعاني من عثرات تعريف السياسة  بالمعنى الميكافيلي, ولا يمكن تجاوز هذا التعريف الذي كرس ثقافة سياسية لا تاريخية, ولم يتم تجاوز ذلك المعنى الميكافيلي إلا بمزيد من المعرفة والتنوير, ولعل المعرفة والتنوير مفتاح تغير الأذهان أو كما قال أبن تيمية محقا ” لا يتغير ما في الأعيان إلا عندما يتغير ما في الأذهان”(2). وعليه يجري التضييق على علوم العقل التي تؤصل للمفاهيم العلمية الحديثة, ولا غرابة أن يتم تجاهل تدريس الفلسفة في الجامعات الحكومية والأهلية, كما يجري التضييق عليها, باعتبارها المعرفة التي تتعامل مع الإرادات وتستفزها وتستنهضها, فلا يمكن أن نحدث نهضة في ظل هذا التضييق على علوم الإنسان/علوم الإرادة, إذ أن النهضة في المقام الأول إرادات مستنفرة في كافة المسارات الايجابية.
 ولما كان ” تاريخ العلم هو تاريخ التصحيح المستمر لأخطائه” ( كارل بوبر), ولأن السياسة علم, فإنه من الضروري أن تكون السياسة تاريخ  تصحيح أخطاءها المستمرة أيضا.
أننا كشعوب متأخرة محظوظون لوجود تجارب متراكمة في العالم نهضت بوعي معرفي وتحولت فيها مفاهيم ورؤى سياسية جعلت منها علما بامتياز, ولعل تجربة اشتغال الفيلسوف إيمانويل كانت في

قد يعجبك ايضا