هشاشــة الأســاس وعدميـــة الإلتقـــاء

المقالح عبدالكريم



مقارنة بغيره من الأجناس الإبداعية كالشعر والقصة والرواية .. يبدو التشكيل على هامش المشهد الثقافي والإبداعي .. ومن جهة أخرى يلوح نخبويا .. أي في مساحة اهتمام الجمهور بفعالياته المتنوعة .. إذ تكاد تسجل صفرا في مقابل اهتمام رجل الشارع بالشعر والشعراء مثلا .. وماذ ذاك إلا لجملة أسباب
مختلفة .. منها ذاتية وموضوعية .. تفسر عزلة هذا الجنس الإبداعي الفني عن البيئة المنبثق منها والمحيطة به .. وسأحاول إيراد هذه الأسباب باختصار :
أ ـ الذاتيـة:
طبيعة هذا الجنس الإبداعي .. كونه بصريا .. أي أن عملية التلقي أو التذوق مختلفة تماما عن المألوف في جنسي الشعر أو القصة .
عمره الزمني الوجيز الذي أثر بدوره على عملية التلقي إذ أنه بعد وخلال عقوده القليلة ـ منذ ستينات القرن العشرين .. وحتى اليوم ـ أحدث في الذاكرة والذائقة من النثر والشعر .
ب ـ الموضوعيـة :
يبدو المجتمع غير مهيأ لتقبل مثل هذا النمط الإبداعي .. الذي لا زال يعد عند كثير من قطاعاته بما فيها العلمية .. ترفا لا ضرورة .. كون المتعة التي يستمدها المتلقي منه محدودة وضيقة عكس ما نجد عند تلاوة قصيدة شعرية مثلا .. ويعود هذا لعوامل أهمها :
التابو الديني المستقر في الثقافة المتداولة ( تحريم تصوير كل ذي روح ) وكراهة تعليق الصور في البيوت كونها محرمة تمنع دخول الملائكة ـ أو زيارتها ـ لأي بيت يعلق مثل هذه التصاوير .
إنعدام التنشئة التعليمية الفنية .. إذ أنها غير مدرجة في قائمة اهتمامات المجتمع في مؤسساته الرسمية ـ المدارس ـ والجماهيرية .. وهذا بدوره ما أثر في غياب تام لأي جذور تأسيسية لتربية ذائقة أو نشر وعي .
إنغلاق الدائرة بين الفنان والمتلقي بتفاوت مستوياته .. بدءا من الأسرة التي تنظر إلى ميول أبنائها بشيء من الغرابة .. خاصة إذا كان ميسور الحال أو كان متفوق في دراسته .. إذ لا معنى للموهبة هنا لعدم إعطائها أي إهتمام منذ البداية .. وعلى العكس تماما سنجد الوضع .. مثلا لو كان هذا الفنان قد اختار أو إلتحق منذ صغره في معهد متخصص .. بدفع وتشجيع من الأسرة التي حتما ـ لو كانت الثقافة الفنية معممة على المجتمع ـ لن يخلو البيت لديها من لوحات أو صور معلقة على الجدران.
علاقة الفنان بالفن ..
إنه في الوسط المتناقض .. التعبير عن عالمه المحيط به وفق رؤيته هو للعالم وفلسفته في الحياة .. وبين إرضاء بيئته باحتراف التسجيلية الفوتوغرافية .. (إنها رائعة كونها تامة التجسيد والتشخيص) .. لذا فهي مفهومة .. وهذا بدوره أعاق الفنان عن تجاوز نفسه وتغيير أدواته وخوض غمار التجريب والمغامرة الأسلوبية . من جهة أخرى .. ونظرا لغياب الدعم الرسمي أو الأهلي .. وفي حال تجاوز الفنان معضلة إرضاء مجتمعه .. ستجده مرغما على تلبية مقاس السوق حسب قانون العرض والطلب .. إذ لا بد أن يعيش موفور الكرامة مستور الحال .. لهذا فلا غرابة أن نجد لدى كثير من فنانينا ما يمكن تسميته بالفصام اللوني .. هذه اللوحة للفنان وتلك للسوق .. واقعية سهلة .. تصوير بسيط وواضح يجذب المشتري سواء الوطني أو الأجنبي .

قد يعجبك ايضا