الامتياز الناقص للاستبداد

جمال حسن


 - التاريخ محكوم بالعادات أكثر منه بالقوانين وهي عادات قابلة للتغير. إلا أن البعض يتناسى سبيل العادات. بأن سيرورة العالم تقتضيها طبيعة متحللة من سيطرة الإن

التاريخ محكوم بالعادات أكثر منه بالقوانين وهي عادات قابلة للتغير. إلا أن البعض يتناسى سبيل العادات. بأن سيرورة العالم تقتضيها طبيعة متحللة من سيطرة الإنتاج. تحدثت أسطورة بابلية حول عالم تملأه السعادة حيث لم يكن هناك عبد وسيد حاكم ومحكوم والحيوانات لم تكن شريرة كانت حكايات العشاق تجعل الآلهة سعيدة وفجأة دبت الشرور. لكنها أكثر العادات الشرقية سوءا التقوقع في ماضيه وتصور آلهاته من جنة سبق وفقدها فينساق لحبس الغيب. العادات تنتظم في علاقات البشر. وعندما يتبدل الحكام يرثون ايقاع استبدادهم. السلطات تمارس وجودها كمنظومة قمع بتغير الأشكال والأكثر كفاءة يختلق تنظيما أكثر. يقول مونتسيكيو: أهواء بني آدم ثابتة لا تتغير الظروف وحدها تختلف. ويرى أن الدوافع العميقة وراء أهم تحولات التاريخ. فهل لدينا تلك الدوافع العميقة لإحداث تحول في تاريخنا.
اليمن أرض تشكلها الصراعات وعندما يكون هناك منتصر يتوهم شرعية كلية فيكون الحكم مسرحا لأهوائه. فعندما كانت الإمامة تقوم بالخروج على الحاكم الظالم مفترضة شروطا لهذا الأمام لم تضع حدا للظلم بقدر أنها فتحت السلطة للناهبين والحروب. وكان هذا المبدأ علامة دائمة لظهور مطالبين بالإمامة. أي أن مصطلح الحكم لم يتحول أبدا إلى مؤسسة إنما ادعاء ناقص يحاول خلق أرضية توهم دينية إنجاز شرعيته كحق الهي. هكذا تتشكل السلطات الدينية من الافتراء على طبيعة مهام الحكم فتستبدلها بوجود قائم على الجباية وخلق اقطاعيات ومن ثم إنجاز شروط الحرب لقمع أو احتواء أي تمرد. مضمون الحكم الديني يعيش على انتقاص كامل للشعب بما أن شرعيته محسومة بالدين لا يتعارض ذلك الوهم مع أهواء الحاكم بل يجعل كل مساوئها وتعسفها غير قابلة لأي اعتراض. السلطة الدينية تمنح الحاكم حق التصرف بالدين حسب أهوائه وليس فقط التشريعات الدنيوية.
طبيعة السياسة في اليمن تفترض شرعية الحكم الناقصة امتياز فيسود الاستبداد. ينتقص الحاكم التشريعات إذا لم تتماش مع مزاجه. لا يصنع مؤسسة عميقة بل يطوع الاحكام لوجوده الناقص وطبيعة أحلافه. أنا القانون سبق لرئيس يمني سابق وقالها. مقولة تميز بها لويس الرابع عشر أو الملك الشمس ملك فرنسا. بما ان السلطة تقوم على الاستيلاء. فتأسيس شرعية كاملة تنجز استمرارها تحت ثقل المؤامرات ومطامع المنافسين. مؤسسة الديمقراطية تنظم التنازع على كرسي الرئاسة. بينما الحاكم المستبد يريد الاستئثار بكل شيء وعندما يبلغ الحكم مرحلة ضعيفة يتصيده الطامحون.
ثورة سبتمبر كانت أحد الدوافع العميقة لإنجاز تحول في تاريخنا. لكنها حوصرت من قوى تقليدية وأعاقتها طبيعة الصراعات. وعندما فشلت في إنجاز تحديثها لليمن ظلت مهددة ومخترقة وتحولت في فترات أخيرة إلى جمهورية شكلية. ومع حدوث ثورة 2011م ومحاولة الاستيلاء عليها من نفس القوى التقليدية لم تعد فقط هي مهددة بل كذلك ثورتي سبتمبر وأكتوبر. فتحلل المجتمع وخيباته أعادت كل مشاريع الماضي. وعندما أشرت أن الحوثيين يتجاهلون العلم الوطني تحدث مناصر لهم بأنهم سوف يقومون بتغيير العلم. فواقع الثورات العربية أحدث تغييرا في العلم الليبي وصارت سوريا منشقة في علمين. أما اليمن فانشقاقاتها متعددة وهو كما يبدو أن اليمن إذا كانت هوية فهي أمام مخاض كبير ومخاطر.
في سطح التغيرات الكبيرة تحدث مخاضات نستعيد بها كل المخاطر القديمة. أحد أصدقائي قال ان اليمن اليوم تتقيأ قذارات بلعتها طيلة العقود السابقة وأنا أضيف بأنها تتقيأ قذارات ألف سنة من التاريخ على الأقل. لكن هل سننجز كيمنيين شكل الدولة. بمعنى سننظم التنازع حول السلطة. الحوثي يخوض حروبه في المناطق القبلية وبحماقة يتصور أن بإمكانه إعادة تعريف النظام السياسي اليمني كحالة طائفية أو مذهبية سيكون أحد أقطابها. البعض يرى في الحوثي أكثر المخاوف المهددة للواقع وكذلك للقاعدة وتغول التشدد الديني لكن ذلك السطح الذي تتعارض فيه القيم. مع ذلك اليمن تعيد استنتاج تاريخها في تلك التضاربات.
ما يجعلنا مهددين بالعودة لما قبل خمسين عاما انه في التحول الجمهوري أخفقت السياسة أن تتجاوز الأعراف. وعندما استولت قوى تقليدية على الثورة حولت السياسة إلى بطالة تامة. لكن الطابع السياسي في اليمن سريع التداعي وتلك التداعيات التي تحدث اليوم في حروب ستكون واهمة في مظهرها لأنها في جوهرها ستتداعى بنفس الطريقة التي ارتفعت فيها قوى جديدة لكن في الطريق المعاكس. مظاهر الحروب خداعة حتى بانتصاراتها. وهذا ما حدث في صيف 94م. وهذا المظهر الخادع الذي تشكلت فيه سلطة مختلة في اليمن. فالحكم

قد يعجبك ايضا