مصر وخيار الانقاذ
أحمد الشرعبي
ما من فوارق جوهرية بين الرغبة والرهبة خاصة حين تكون الاخيرة نابعة من تقديرات موضوعية يعقدها الإنسان مع نفسه بعيدا عن اكراه القوة وفعلها الاجباري المؤدي إلى اجهاض القناعات الذاتية .
وتبعا لمجريات الشأن المصري وطبيعة الجدل الاستباقي حول الانتخابات الرئاسية القادمة يؤكد قطبا الرحى من منافسي الدكتور محمد مرسي (عجل الله فرجة) في الانتخابات السابقة استعدادهما للترشح مجددا ما لم يكن الفريق عبدالفتاح السيسي مرشحا لها أو على قائمة المتقدمين الى منافساتها ..
ومعلوم ان موقع الفريق السيسي على رأس المؤسسة العسكرية الضاربة يغري على إثارة فضول الخصومة ولددها على غرار الهذر الصادر من غير ذي مصلحة في المعترك الانتخابي المرتبط بنجاح عملية الاستفتاء على الدستور الجديد .
وكنت تابعت شيئا من اللغط المروج له من بعض قنواتنا الفضائية العربية التي تتبنى الخطاب التحريضي الذي يعزي توقعاته حول ضعف مؤشرات التنافس الانتخابي القادم الى سطوة وقوة وجبروت القوات المسلحة التي تقف خلف الإطاحة بمرسي بغية الاستئثار بالسلطة واحتكار موقع الرئيس لقائد الانقلاب .
على هذه الشاكلة يجري الغمز في قناة الاستاذ حمدين صباحي تعليقا على تصريحات يؤثر فيها ترشيح السيسي على نفسه .. حسنا ان كانت القوة والسطوة وجبروت الغلبة قادرة على صد التيار الناصري عن المشاركة فلم فقدت هذه العوامل وجهتها بإعاقة مرشح الاخوان من الوصول الى الحكم مع تصدر المجلس العسكري واجهة المشهد آنذاك¿ ولم عجزت قوة وسلطة وسطوة الجماعة عن إثناء احد قيادات النظام السابق محمد شفيق أو تجبره على ارجاء قرار الترشح امام مرسي مع ما كانت عليه موازين القوى من وضع غير متوازن يرجح جانب المرشح المتلفع إهاب الثورة وفعاليات الجماعة بينما يلقي حمم انفعالاته المتذمرة على كاهل المنافس المثقل بارزآء الانتماء لعهد مبارك !
واذا لم يكن الاخوان دون سواهم من القوى السياسية الأخرى من خلقوا حالة الاضطرار لمنقذ بحجم ووطنية السيسي فمن يكون السبب اذن¿ ومن يتحمل المسؤولية امام التاريخ ¿ وهل كانت مصر لتصل الى هذا المستوى الكارثي المهدد بانهيار الدولة لولا ضيق الأفق في تعاطي الجماعة مع المد الشعبي المنزعج من سياسات حاكم يدير مصالح المجتمع من مقصورة التنظيم بعدما ادار ظهره لمؤسسات الشعب.
وإجمالا ما من سبب قسري يحمل أيا من الاطراف المصرية على كبح رغباتها في الاستحقاق الانتخابي القادم بل ان احدا من مناوئي السلطة الانتقالية الراهنة لم يقل لا على جهة الاتهام ولا على سبيل التوهم بوجود مظاهر تأثير لسلطة الحكم على موازيين القوى المصرية كما لا دليل مادي أو مجرد حديث افتراضي عن تسخير مقدرات الدولة لصالح طرف بعينه .. وغير بعيد ان تكون المشاركة في الاستحقاق الرئاسي متاحة أمام تيارات قريبة من جماعة الاخوان بمقدار بعدها عن استهداف امن واستقرار وسيادة مصر .
واذن وطالما كانت ضمانات التعبير عن الرغبة في ممارسة الحق متوافرة وما من قلق بشأنها فإن للظرف التاريخي خاصيات عميقة الصلة بالمناخات الذهنية السائدة بما يرافقها عادة من ميول انطباعية ومسلمات شعبية وارهاصات ثقافية ومقاربات سياسية .
ومن بداهات التاريخ ان المحن الجسيمة لا تصقل خبرات الشعوب فحسب وانما تقود لتقليب تربة الواقع على نحو يقتلع اشجار العليق ويعالج الشوائب المكربنة ويهيئ الفرص الكفيلة بنمو قيم الدولة المؤسسية القادرة على مواجهة تحدي السلام الاجتماعي الداخلي واستعادة الشعوب لحمتها واستنهاض مقوماتها المادية والروحية لبناء ما تعتقده مستقبلا لائقا بوجودها ومنسجما مع هويتها الوطنية.
ان اختلاف حقب التاريخ يتحدد وفقا لمهام وتحديات هذه المرحلة أو تلك ولذلك تصبح الرغبات المشروعة في بعض منعطفاته الفارقة رهنا لتيار جارف من التحديات المصيرية التي توحد الإرادات وتحشد المختلف والمؤتلف من الخيارات صوب وجهة احادية تجمع بين اشتهاء الرغبة وكاريزما الرهبة ليلتقيان معا في بوتقة يمثل الفريق السيسي نموذجها المعاصر على صعيد الحالة المصرية وتفاعلاتها الكثيفة .
وعلى دأبها المعتاد لا تغفل مصر عن مزاجها الحرون حين تستثار لرد فعل غضوب .. كان هذا طبعها في مواجهة نكسة حزيران كما هو شأنها الحالي وهي تحاصر عثرات ثورة 25 يناير وتستقبل الاستفتاء على الدستور الجديد بزخم جماهيري نادر يستلهم من الدلالة الرمزية للفريق السيسي سجل الجيش المصري ذائع الانتصارات .
وما يجعل مصر على سدة الريادة وهي في اشد ظروفها حرجا ذلك السجال الحيوي في تبادل المواقع بين سنابل الحقول وثكنات الحروب وكما خاض الجيش المصري مأ