الوطن يحتاج أكثر من مجرد الصراخ!
كتب/ المحرر السياسي
تستدعي تصرفات بعض القوى السياسية وجزء من مجتمع النخبة في الأيام الماضية طرح أكثر من علامة استفهام وتعجب ففي حين كان المجال أمامها مفتوحا طيلة أشهر مؤتمر الحوار لطرح رؤاها وتصوراتها المقنعة وبما يحقق الوصول إلى توافق يشكل مخرجا حقيقيا وعادلا لكل القضايا الشائكة إلا أنها ظلت إما صامتة تفتقد للرؤية المتكاملة وإما مترقبة لمواقف الأطراف الأخرى تتصيد ثغراتها لإثارة البلبلة وتضليل الرأي العام.
ومن الواضح أن لجوء هذه القوى للضجيج والصراخ المفتعلين بعد التوقيع على حلول وضمانات”القضية الجنوبية” من قبل الفريق المصغر وبحضور الرئيس هادي والمبعوث الأممي جمال بنعمر يصب في سياق ذات النهج الذي دأبت عليه واستمرارا لمحاولاتها في تقديم نفسها في ثوب الوطني الوحيد الخائف على مستقبل بلاده في حين أنها في الحقيقة لا تريد التقدم خطوة واحدة صوب إخراج الوطن من أزماته إما لخوفها وإما لعجزها وإما للأمرين معا.
فأين كان هؤلاء المهولون الخائفون طيلة تسعة أشهر وما هي البدائل في نظرهم والحلول المثالية التي ستتوافق عليها كل الأطراف والمكونات الحاضرة على طاولة الحوار¿ أما إلقاء الكلام على عواهنه وبث المخاوف وادعاء الوطنية ونفيها عن آخرين فكلها لا تشكل حلولا ناجعة ولاتقدم خارطة طريق للمضي قدما.
قد يكون للبعض وجهة نظر ومخاوف معينة لكنها ليست ملزمة للآخرين الذين لهم أيضا ذات المخاوف ويحملون وجهات نظر أخرى فضلا عن أن جوهر الحوار يكمن في التوافق في أقصى حدوده الممكنة وليس في اللجوء إلى منطق القوة والغلبة ولا في الاحتماء خلف لغة الاستعلاء والأنانية وشيطنة الرؤى المغايرة والتشنيع بأصحابها.
وغير خاف أنه منذ تشكيل الفريق المصغر المنبثق عن فريق”القضية الجنوبية” بل منذ انطلاق مؤتمر الحوار كان اليقين لدى مختلف القوى السياسية راسخا بصعوبة ما هم مقدمون عليه وبخطورته لأنه في النهاية سيقرر مصير وطن ويرسم مستقبل شعب بكامله وفي الآن نفسه لابد من سرعة إيجاد مخرج وحلول فالحوار لا يمكن أن يستمر إلى ما لانهاية كما لا يمكنه أن يخفق وهو الفرصة الوحيدة المتاحة لإنقاذ البلاد مما هي فيه.
لذا جاءت الوثيقة الموقع عليها من غالبية الفريق المصغر باعتبارها غاية ما يمكن التوافق عليه وحصيلة جهود مضنية بذلها الرئيس هادي والمبعوث الأممي وهو ما يجعلها أكثر بعدا من كونها “وثيقة بنعمر” كما يسوقها البعض إذ أنها مجرد استخلاص لنقاط الاتفاق في كل التصورات المقدمة وتمت بلورتها وصياغة بنودها لتخرج في هيئتها الأخيرة التي رحبت بها الأمم المتحدة وأخيرا الجامعة العربية.
ومما يثير العجب والاستغراب أن ردود بعض الأطراف جاءت وكأنها مصدومة ومفجوعة إزاء إقرار الوثيقة لشكل الدولة الاتحادية المؤلفة من أقاليم في حين يعرف الجميع أن خيار الدولة الاتحادية كان منذ البداية هو أقرب الحلول المتداولة في طرح النخب السياسية وغالبية الأحزاب والمكونات حتى من قبل بدء الحوار وليس شيئا جديدا اختلقته وثيقة الحلول والضمانات أو تعسفت إيراده.
أما بشأن حسم عدد الأقاليم الاتحادية فقد تركته الوثيقة لمزيد من البحث والنقاش الموضوعي من خلال لجنة يعينها الرئيس هادي بتفويض من مؤتمر الحوار ويتولى رئاستها ويكون قرارها نافذا بعد دراسة مقترح الإقليمين ومقترح الستة أقاليم أو أي خيار ثالث يحقق التوافق.
وفي حين يعتبر من السابق لأوانه التكهن بما ستقرره اللجنة يملي الواجب الوطني دعم قرارها المنتظر وتأييده أيا كان وبلا شك فإن وجود الرئيس هادي على رأسها سيكون مرجعية حاسمة خاصة إذا استطال النقاش دون جدوى وذلك بالنظر إلى صلاحياته كرئيس للدولة ورئيس لمؤتمر الحوار.
والجدير اليوم بمختلف القوى السياسية والمجتمعية أن تتخلى عن نظرية المؤامرة وهي تقف أمام بنود هذه الوثيقة التي انتصرت لمظالم أبناء المحافظات الجنوبية وقدمت ضمانات لعدم تكراراها مستقبلا فضلا عن ضمانها وجود عقد اجتماعي جديد وأسس دستورية تكفل لهم ولعموم أبناء الوطن شراكة حقيقية في السلطة والثروة وصناعة المستقبل أما إذا كان لدى أي طرف حلول سحرية أخرى لم تقدم فليسارع بها وستكون يقينا هي الحكم والفيصل.