اليمن والضياع التاريخي
جمال حسن
كيف يمكن قراءة اليمن بمعزل عن التاريخ. كذلك ينطبق الأمر على أي بلد لكنه في اليمن يزيد هذا الحضور بل يبدو كدوائر أزمنة راكدة. ما أن يكون هناك خرم ليخرج الزمن في تموجاته العصرية على الأقل نحو ذلك التطلع للأفق حتى يبدأ الماضي بالهياج وخنق اي خرم. هذا ما حدث مع ثورة فبراير كان تطلع الناس أوسع من الواقع فارتدت الأحلام برجات وانتكاسات. فالصراعات القديمة فرضت تواجدها. على حساب رؤى جديدة ومتغيرة. فهل اليمن عنوان لنمو طفيليات الماضي. يبدو الأمر كذلك. فاليوم يتحدد الصراع بين قوى ظلامية ومتخمة بالتطرف. بينما لا يوجد رهان على المستقبل. حتى المفردات الواسعة مثل الدولة المدنية يتم استلابها من تلك القوى. لم يعد هنا كما في السابق احتكار لهذا الصوت. فبعد ثورة سبتمبر كان هناك صراع بين الجمهوريين والملكيين. بين نزعة تحررية وإن كانت مشوبة كذلك بواقعية التضاريس اليمنية المتكلسة منذ أزمنة بدائية لكن اليوم الصراع ينمو بين الحوثيين والسلفيين بين قوة طائفية وأخرى مثلها. فهل نترك اليمن محصورة بين طوافتين تنتميان للماضي فقط. هكذا نعلن تخلينا عن المستقبل بشكل نهائي. بل نترك مخاوفنا تتصور كل أنواع الدمار.
لا يتطور الصراع ما لم يكن هناك قيم جديدة تفرض نفسها بقوة. والمهزلة أن الحوثي بدأت قوته تتنامى بصورة متعاظمة وبشكل لم يكن احد يتوقعه. لماذا كل ذلك يحدث. الم يكن نتيجة تخلف رجال الدولة خلال العقود الماضية. تكريس الفوضى كشكل من ضرورات بقائهم. كانوا كذلك يعلنون وفاة حضورهم في الدولة حتى وإن هم اليوم يتشبثون باستماتة وبيأس لإبقاء رصيدهم وسكة مصالحهم. فاليوم يريد رجال النظام السابق أن يشكلوا قوة ضغط في وقت ترتسم معركة في الشمال لكن ألا تحضر لدينا مخاوف لسيناريوهات قادمة. لقد أثبتت الحشود الراديكالية ذات البعد الطائفي فشلها في تقليص مشروع طائفي آخر بل تساهم في تقويته. وإذا أردنا فعلا مواجهة هذا التغول لميليشيات راديكالية وطائفية فأمامنا حل وحيد وهو خطاب وطني أولا أن نجعل اليمن فوق كل شيء. هل هذا سيكون كافيا. بالطبع أراه كذلك حتى وإن كانت هناك مؤامرات في الداخل ومن الخارج. يمكن ان نخرج معه إلى ملامح وطن حقيقية. بدلا من تلك المشاريع التي تكنس الوطن في طوافات طوائف وعصبويات لا تنتهي.
اليوم نعرف أن الوضع أصعب مما نتصوره تماما. ففي الجنوب تتزايد الاضطرابات وفي الشمال تسير النزعات القتالية بصورة ما نحو شكل حاسم ليس فقط لمصلحة طرف بل لمصلحة هذا القوام المتطرف والذي سيعيد لليمن تفتته. ما يهدد اليمن بالتمزق ليس كما تحدث رجال النظام السابق الدولة الفيدرالية أو ما إلى ذلك. هناك دول عظيمة وفيدرالية بل أن فيدراليتها ساعدت على عدم تمزقها. كانت الفيدراليات محاولة لاستيعاب النزعات الانقسامية في أميركا أو ألمانيا أو حتى اسبانيا. في الأخيرة لم تظهر النزعات الانفصالية طيلة قرون لكن مع ظهور فرانكو وضربه الجمهوريين وتعنته المستبد بفاشية اسبانية تعاقب القوميات الأخرى إن استخدمت لغاتها مثل الكاتلونيين أو الباسك بدأت النزعات الانفصالية تتفشى كرد فعل على فاشية فرانكو.
ما حدث في اليمن هو فاشية من نوع آخر فاشية قبلية واليوم يتجه الوضع في المنطقة نحو تغول المواجهات المذهبية والطائفية. هناك إعلان كبير لحضور صراع سني- شيعي. كانت المؤسسة الوطنية أو الدولة الوطنية تعلن احتواءها لأي إشكاليات مذهبية. حتى أنها عملت على وصول أقليات للحكم في دول مثل العراق وسوريا. لكن اليوم تظهر محاولة لتصفية الدولة الوطنية بعملية ثأر مذهبية. في اليمن من الممكن أن يتم السماح لاتجاه مذهبي كالحوثي بالسيطرة على منطقة تاريخية بالنسبة لهم ثم يبدأ الحشد الطائفي المقابل. صحيح أن هناك اليوم حشودا داخلية من مناطق مختلفة للقتال في صف السلفيين. وهم يبدون شبابا متحمسين ومؤمنين. لكن إذا اتسع نطاق الحرب فيمكن ان يبدأ إعلان اليمن كسوريا. هل الحل أن ينتصر طرف من تلك الأطراف¿
بالتأكيد لا الحل في خطاب وطني يمكنه مواجهة أي مشروع صغير أو طائفي. أما مواجهة جماعة طائفية بأخرى طائفية فهذا سيعني تفريغ اليمن بأكملها لصراع مذهبي لن يفتته فقط بل سيجعل من الصعب عودة شيء اسمه اليمن. إننا في لحظة عصيبة لنقف من اجل بلدنا لأننا حين نفقده وإلى الأبد فإننا لن نستحقه. ويمكن أن يكون السيناريو مع توسع ميليشيات مذهبية بأن تتحول اليمن منطقة للزيدية وأخرى للسنة وأخرى كمناطق جهوية. أريد أن أقول شيئا أخيرا لمزايدات جماعة النظام السابق وهم يتشدقون بخطاب الوحدة وكأنه تملك تاريخي. من قتل الوحدة أليست حماقاتهم..