بعد العاشرة ليلا
محمد المساح
لم يعد يملك أية حيلة.. وكل الثغرات تقفلت فلم يجد أمامه غير تلك الحيلة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع.
حين تقترب الساعة من العاشرة ليلا يكون قد حمل طرباله من حانوت بعيد فوق ظهرة.. ولن تلامس الدقيقة قبل العاشرة إلا وقد فرش الطربال على رصيف علي عبدالمغني .. وأخذ يرص.. الجرامات والقمصان والبرنيطات بضاعة “البندة”.
يعرف في أعماقه.. أن الليل هو زبونه الوحيد.. ولكن ما باليد حيلة وربك في سماه العالية.. يعرف الأحوال لا بد.. من أحدهم .. واحد.. أو أثنان.. سيشترون.. والليل مازال طفلا لم يكبر بعد.
حينها وبذات الوقت.. ينظر بحسرة.. قد لا تبدو على الوجه.. ولكنه يحس ويشعر بها.. حين يشاهد حركة الناس تخفت ويبدأ الرصيف يخلو من المارة والعابرين وينقل نظره إلى أبواب الدكاكين الفاغرة أبوابها تلعب داخلها أضواء الكهرباء.. وقد مال أصحابها في الداخل مطرقين.. أو كان لا وجود لهم غير الثياب بجميع أنواعها.. وتلك الرصات المتجاورة مع بعضها.. لا أحد يبيع .. بعد العاشرة.. يقول لنفسه ويمنى النفس رغم ذلك .. على الأقل زبون.. وإلا اثنين .. حق العشاء .. والصبوح .. ربما يصادفه زبون.. وربما لا.. حين تقترب الساعة من الحادية عشرة وتتجاوز بقليل أو كثير.. يمر أحدهم .. مليئا بالفضول وخفة الدم.. لا يعرف الظروف.. والأحوال .. يبادله الحديث من طرف واحد:
ها.. ها البلدية روحوا يرقدوا! يلملم أشياءه.. في طرباله.. ينقل خطواته ببطء .. وهو يحاور نفسه.. ولو .. فالليل بلا بلدية قد يكون .. هو الشاري.