أثر النقـد في الثقافة (الحلقة الأخيرة)

بقلم : د. يوحنا م. سميث


ترجمة: محمد عبـــد الواحد الكميـــم

لقد فعلت ماري بوفي الشيء نفسه في كتابها “الأنثى المثالية والمرأة الكاتبة” (1984) وهو كتاب تقتفي فيه تطور “الآداب” الأنثوية. تربط بوفي بإحكام بين الآداب التي علمتنا إياها نساء القرن التاسع عشر اللواتي كتبن آداب السلوك (الإيتيكيت) ومجلات السيدات وبين الروايات الحالية ذات الأفكار الأبوية عن ملكيات النساء وملكيات الرجال (وطالما أن الملكيات يتم توريثها فمن الممكن أن تهدد المرأة غير المخلصة تسلسلية ميراث الرجل بأن تلد له طفلا ليس من صلبه. ولهذا تقوم كتابات المرأة التي تدعم الآداب الاجتماعية بتقوية وضعيات الملكية القائمة).
أخيرا ورغم ما سبق تبين بوفي أيضا أن بعض الكاتبات اللواتي يدعمن الآداب الاجتماعية واللواتي قد نظر إليهن بوصفهن “المعلمات المثاليات” تبين أنهن “قد تخطين حدود هذا النطاق المحدود” (40) إذ ربما قد قمن بكتابة قصص تظهر تجرؤ بعض النساء اللواتي يحاولن توجيه حياة متخيلة بعيدا عن حدود الآداب الأسرية. غير أن الكاتبات أنفسهن فعلن ذلك بصور متخيلة وجريئة.
وفي حين رأت بوفي رواية “فرانكنشتين” Frankenstein ( ) في علاقتها بآداب السلوك وبروايات جين أوستين ( ) يضع معظم النقاد الذين تناولوا رواية شيللي الأشهر في سياق قصص الرعب Gothic tale( ). مثال ذلك الناقد بول أوفلين Paul O’Flinn الذي يبدأ مقاله “الإنتاج وإعادة الإنتاج: رواية فرانكنشتاين نموذجا” بالإشارة إلى أن الرواية قد تمت طباعتها في العام نفسه الذي شهد الهجوم الشهير ضد خمسين عاما ظلت تكتب خلالها روايات الرعب Gothic novels.
وفي مقال تال لمقال أوفلين تتعامل لي هيللر Lee E. Heller مع رواية فرانكنشتاين بوصفها رواية رعب GothicFiction مضيفة أن الشيء المثير في روايات الرعب هذه أنها قد وجدت تشكلات لها في كل من الأدب الرفيع والأدب الشعبي. تستمر هيللر في مناقشتها قائلة: إن ما يصدق على روايات الرعب عموما يصدق على رواية “فرانكنشتاين” التي استطاعت في نسختيها المطبوعة والفيلمية أن تستحوذ على جانب كبير من إعجاب جمهور القراء والمشاهدين لأسباب عادة ما يصعب فهمها. وعلى الرغم من كون رواية “فرانكنشتاين” عملا كلاسيكيا فهي تشكل موضوعا مناسبا إلى حد بعيد للنقد الثقافي الجديد.
ثم ترى هيللر بعد ذلك “إبداعية” رواية “فرانكنشتاين” متموضعة في السياق الثقافي لجدل دار في نهاية القرن الثامن عشر حول التعليم والمعرفة بالقراءة والكتابة حيث شهدت تلك الفترة نمو “الطبقة القارئة” لتشمل معظم الطبقة الوسطى وهو الوضع الذي سمح بظهور الرواية (إذ تكرس الرواية نفسها كشكل أدبي لتمثيل الحياة العادية أكثر مما يفعل الشعر) كما أدى هذا الوضع إلى ظهور جدل أخلاقي نوعا ما حول ما يشكل المتعة اللائقة للقراء المحتاجين للتعلم.
ولقد اشتدت حدة ذلك الجدل بظهور روايات الرعب Gothic fiction التي غلب النساء والفقراء على جمهورها خلافا لما كان عليه نوع القراء بالنسبة لكتابات أخرى. فهل يجب أن يقرأ هذا النوع من الجمهور تلك الكتابات التي يبدو أنها لا تفعل شيئا سوى إثارة للعواطف بصورة غير ذات فائدة¿ وبسبب إجابة معظم الناس على السؤال السابق بالنفي تطورت روايات الرعب لتضم إلى التسلية العناصر الأخلاقية المميزة لروايات القرن الثامن عشر “الجادة” متخلية عن الإثارة التي كانت أهم ما يميزها.
إن اهتمام هيللر بالجمهور – وبالرواية كمنتج استهلاكي- كناقدة تمارس النقد الثقافي يتطابق مع اهتمامها بأي نص يتحدى الفواصل بين الأدب الرسمي والأشكال الأدبية الأكثر شعبية. وبالطبع تبدو كذلك مهتمة بـ “الفعل الثقافي” (على حد تعبير جين تومبكينز) الذي يحققه شكل أدبي معين في فترة تاريخية معينة. وما يجعل تصور هيلر الخاص للنقد الثقافي الجديد تصورا معقدا ومثيرا هو أنها تعرöف ثلاثة أشكال متمايزة ضمن ذلك الشكل الأدبي (والمقصود به هنا روايات الرعب في القرنين السابع عشر والثامن عشر) هذه الأشكال الثلاثة هي: (روايات الرعب – والروايات العاطفية التعليمية- والروايات الفلسفية “الراقية”) حيث يبدو كل نوع منها مؤديا لفعل ثقافي مختلف باختلاف الطبقة أو نوع الجمهور حتى وإن وقعت جميعها ضمن النص نفسه.
وبناء على ذلك تفسر هيلر قابلية رواية “فرانكنشتاين” على الاستمرار في حيازة شعبية كبيرة على مدار القرون ضمن نطاق من الطبقات المتنوعة اقتصاديا واجتماعيا وعبر أشكال تقديم متنوعة (مكتوبة ومرئية…الخ) تفسر ذلك بإظهار أنها كانت شكلا هجينا أو نسيجا منوعا استطاع أن يضفر الإثارة مع عاطفية الطبقة الوسطى مع الأبعاد الفلسفية.
وفي عملية استدلالها تقدم قراءة مدهشة في إبداعيتها إذ لا يقف ما توضحه فيها عند كيف يقع جدل ثقافي ما في خلفية نص أدبي وإنما تبين كذلك كيف يبدو هذا الجدل متصدرا ضمن النص حيث تبين

قد يعجبك ايضا