تسويات من طراز مختلف
أحمد الشرعبي
في مثل أوضاعنا الراهنة لا حيلة عدا أن نكون شيئا من النافورة الصدئة نعودها بقدمين متورمتين أعياهما الترحال هربا من شتيمة أطلقها الضجر في وجه ما كان ميؤوسا من عافيته!!
قد لا نلتصق بالميؤوس من عافيته كما في حال أي توأمين ساميين أي أننا لا نمثل بعضا من معضلات كينونته فيشاركنا ــ مضطرا ــ جزءا من كلفة الانفصال التام عنه ولكنا نشكل حالة الإفلات الاصطناعي عند انطلاق مركبة الى خارج حدود الجاذبية بينما يبقى المصير رهنا لآلية التحكم في مكان آخر مختلف الخاصيات والظروف.
لم نكن عند مستوى الإدراك الكامل بماهية المستقبل الذي نلوك لبانته بين فكين منهكين!! وعندما قرر البعض مغادرة جحورهم القديمة مؤقتا فلكي نخرج منها ــ نحن ــ إلى التشرد على حين ظلت تلك الجحور مشرعة أمام هذا البعض ووحدهم البسطاء دون مأوى¿
كانت الهتافات تشق عنان السماء (الشعب يريد…¿) وظل عدد كبير من اعوان النظام يهتف معنا لترسوا عليه ــ فيما بعد ــ مناقصات ترميم الجحور القديمة..
أسأل أينا يحرز قصب السبق في ملهات التقدم إلى الخلف.. نحن أم النظام السابق حيث نبدو الآن كما لو كنا توأمين ساميين خضعا لعمل جراحي غير متقن فأخذ أحدنا بعضا من أحشاء الآخر وتركه يتحسس خواء الأجزاء المسروقة.. عجبا كيف دارت كل تلك المفارقات على ذلك النحو من الملهات اليومية لحركة الواقع.. فالشعب يريد إسقاط النظام ويترجم رغبته بإضافة أحزاب المعارضة إلى كيان مؤسسات….. السابق!!
تكتوي الضمائر بلسعات الشتاء المحتقن. وتقول نشرة الأحوال الجوية أن زمهريرا قارسا ينتظر ربيع الهملايا..
نسأل ثانية.. ألم تكن معاناة الناس أنضجت عناقيد الغضب وشقت جوف النفق المظلم وامتشقت الحناجر سيوفا صقيله وروى النبع الأحمر المتدفق من شرايين الضحايا تباريح شجن عتقته السنون لذات فرح قادم!!
يسأل أشدنا تذاك.. كيف صار الأسوأ دليلا على الصيرورة الثورية..¿
وإذ يجلس النظام السابق وخصومه الاتقياء على طاولة واحدة وما كان حكرا على أحدهما يغدو قسمة بينهما وإذ يصبح الماضي كائنا ماديا ومعنويا ويمارس الحكم بوصفه واقعا لا يقرره احتمال الناس أو رضاهم فما ضرورة التعلق بأسمال الضحايا!!
الشعب يريد اسقاط النظام.. ثم الشعب يريد معرفة ما كان قصده من النظام..¿ وتاليا الشعب يريد إنقاذ نفسه من وحل الشعار إذ لم يسقط أحد غيره..¿
تنزف اللغة ويرتسف المصطلح وتصبح عبارة السابق كل رأسمال الديناصور الموازي على طاولة الوفاق الحكومي.. بيد أنه ما يزال على الشاردين في هضبة الوهم الهادر أن يكونوا على أهبة الاستعداد لتنفيذ الخدع المستحدثة..
ما من وظيفة يعرفها الديناصور القديم وتوأمه الوافد من المعارضة غير سياسة اللعب على كل الحبال وطحن المبادئ واستهلاك الشعارات والأزمنة والموارد وأعصاب الناس أيضا.. سلق التصريحات المتغطرسة.. إحداث جلبة ضوضاء في بهو الفراغ الممل وانتضاء الوطن مفردة بلهاء في بيانات النعي المعدة سلفا..¿
ها هم بذات الخفة يعتلون خشبة المسرح الكوميدي و يعيدون نفس المشاهد المكرورة.. هنا حيث كل شيء لا يساوي شيئا ونفسها الآلة المتهالكة تشتغل على نسخ صورة أشد رداءة من الأصل !! نبكي فيضحكون نيابة عن الكتل الضاجة بالهتاف!! لا وقت للمراجعة والذين بصموا على إخراج النظام السابق من غرفة الانعاش الى عربة مصفحة تمنع عنه المساءلة وتحميه من العدالة وتضعه فوق القانون.. عادوا إلى المطالبة بالعزل السياسي !¿ بيد أن مصلحة الشعب لا تكمن في الحصانة ولا بالعزل وإنما في العثور على الدولة واستعادة نزر من ثرواته المنهوبة في الداخل أو المهربة خارج الوطن.
شعب يتكفف لقمة العيش وخزينة عامة على وشك الإفلاس ورجال حكم يتوسلون المساعدات والقروض بغية الاستحواذ عليهما.. شعب هذا وضعه ماذا تساوي السياسة في ميزان أولوياته.
إن أكثر التسويات عدالة ومنطقية تلك التي تفضي لانتشال اليمن من معضلاته الاقتصادية المتفاقمة والتعامل الجاد مع المخزون المالي المستخدم لإثارة الصراعات والتأثير السلبي على استقرار البلاد والمقوض فرص إعادة بناء مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة.
اليمنيون جاهزون للمضي خلف دعوات الرئيس عبدربه منصور هادي المنادية إلى فتح صفحة بيضاء تجلل اليمن الجديد اقول جاهزون شريطة الكف عن المقايضات الظالمة بين فرقاء الاستحواذ -المزدوج – على مقدرات البلاد طوال أربعة عقود من الزمن.
لسنا بصدد الانتقام من أحد ولا نفكر بشعار المواطنة المتساوية مع ذوي الثراء غير المشروع وما ندعو له تقليص الفجوة الها